• ×
الإثنين 25 نوفمبر 2024

سلوكيات الوعظ وعجزه عن التغيير

بواسطة الكاتب : فواز ناصر 04-21-2016 08:04 صباحاً 2072 زيارات
صوت المدينة / فواز ناصـر

أول ما تفتح وعينا كان على واقع وعظي شديد التطرف ، فلا تكاد تجد منبر إلا والوعظ يشكل تمظهراته ؛ فالمسجد يضج بالوعظ الأخلاقي ، والبيت يتنفس الوعظ ، وتذهب للمدرسة على أمل أن تجد بيئة مغايرة ، فإذا بها مكائن لإستنبات الوعظ وتكريسه في عقول النشء.

والكل يوحي لك بأن ليس ثمت طريق غير هذا الطريق ، فلا خيار لك إلا أن تعيش وتتعايش مع هذا الكم الوعظي الهائل الفارغ.

الدنيا هي هكذا ، على هذا النحو ، تنتشر أقوال التقوى والورع بين عامة الناس ، تجدهم في حالة نُصح مستمرة تكاد لا تقف ، حتى خُيل لنا بأننا الوحيدين الذين يملكون قيم الفضيلة ومعايير الإنسانية وبأن الآخرين لا شيء عند مقارنتهم بما نملك !
بل أنك حينما تشاهد السيل الجارف من الوعظ - وبالذات يوم الجمعة - هذا اليوم الذي أصبح يوم الوعظ السعودي !
تعتقد بأن الناس أصبحوا ملائكة تتزاحم على نشر الفضيلة !

لقد أوهم هذا الوعظ الناس بأنه يمتلك الحلول السحرية للخروج من مأزق الإنهيار على كافة مستوياته. أصبح الناس كقطع الشطرنج يحركهم هذا الوعظ ، ويرسم لهم المسارات ، ويخلق لهم الانطباعات ، ويصوغ لهم الروئ ، على كافة مستويات الوعي واللاوعي .

لقد كثف هذا الوعظ دعواته التي ليس لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بواقعه ؛ حتى أغرقوا بها الوجدان العام.

كل المحاولات الوعظية لمعالجة ظواهر القصور داخل المجتمع ، لم تكن سوى معالجات سطحية وتجميلية ، وبالتالي لم تعط مثل تلك المحاولات أي نتائج فعلية أو علمية يمكن أن تغير على أرض الواقع أسلوب التفكير أو العمل والإنتاج داخل مجتمعنا المتأخر علمياً.

وأما على الصعيد الشخصي ، فكنت أشعر حيال هذا الوعظ بشكٍ يستفحل أمره يوماً بعد يوم ، والحق أنني كنت أراه وسيلة للإغواء والتضليل .
لقد إنهار الإيمان بالوعظ لدي ، فلم أعد أؤمن بالفراغ والعته والجنون ، نعم فما يُمارس جنون وليس أي جنون !

لقد نأت بنفسها هذه الدعوات الوعظية عن أرضية الواقع وعن متطلبات النفس البشرية ، وعن فهمها فأصبحت عاجزة عن تغيير واقعها نحو الأفضل ، فتشوهت فكانت قناعاً ونفاقاً ورياءً ، مرضاً وعائقاً وسماً زعاف.

إن الدعوات لتحدث تغييراً في مجتمعٍ ما ، عليها أن تتعدد في دعوتها ، وأن تشمل كافة جوانب الحياة ، كونها تحاول تغيير المجتمع لما هو أكثر إتزاناً مع ما يحيط به.

لا أن تهمل التوصيات الإنسانية الكبرى ، التي تستطيع تغيير ما جريات الحياة الإنسانية كلها؛ فيما لو تم الإنفعال بها كما هو حادث في سياق تلقى الدعوات الوعظية ، لكنها للأسف تبقى مجرد أشياء عابرة على هامش دعواتها ، لا تحظى بأي اهتمام ، وبعيدة كل البعد عن الإهتمام الفكري بها ، فضلا عن التنفيذ والتفعيل.

ولو أمعنا النظر في سلوكيات هذه المواعظ لوجدناها : تكرس الشعور بالذنب ، قبل معرفته ، فضلاً عن إرتكابه.

وليس لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بواقعها . كما أنها لا تجاهد لإنهاء الرذائل الكبرى من المجتمع ، وتحاول تحسين حياة الناس ، بل ما يهمها ويشغل بالها هو ما يحدث للناس بعد الموت.

تنشر ثقافة الموت ، وتقلقها ألوان البهجة. لم تمنع فساداً ولم تُحدث تغييراً.

إذن فالكلام المنمق والمنثور ، والمثالية الإيجابية المبتذلة ، لا تصنع حياةً ، ولا تخلق فكراً ، ولا تنتج رغيف العدل !

لن يتأثر أحداً هكذا ، ويتحول بمجرد الوعظ والكلمة ، ولن تتغير أخلاق الناس وسلوكياتهم بمجرد الإنضمام لعقيدة ما ، أو دين ، أو أيديولوجيا.

لابد أن تلامس هذه المواعظ النفس البشرية ، وأن تتعمق داخلها ، وأن تمنح المجتمع البعد الديني القائم على الوازع الأخلاقي والقانوني على حدٍ سواء ؛ ما يضمن السير نحو التجانس والإنسجام .

جديد المقالات

الإداري الناجح اليوم يجب أن يتمتع بعدة مهارات وخصائص. أولاً : القدرة على التكيف مع التغيرات...

قصيدة بمناسبة اليوم الوطني السعودي من يلمني في هواه أَأُلام بعشقي لترابِه زاد أمني في...

قصيدة بمناسبة اليوم الوطني يا وطني يا تاج العز علا هامي والكل يراه يا وطني أفديك بروحي...

تلعب الإدارة الناجحة دورًا حاسمًا في نمو ونجاح أي منظمة. لأنها تنطوي على مزيج من التواصل الفعال ،...

لم تخلق الجهات الأربع عبثاً؟! إنها إشارة إلى حرية أن يكون لنا خيارات في هذه الوسيعه حين نقف...

الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
  • رائد العوده
    04-21-2016 08:27 صباحاً
    نكأت الجرح ياسيدي، وللأسف هذا احد أسباب تفشي الإلحاد في بلادنا، فالجيل الجديد أصبح لا يستطيع تحمل هذا الكم الكبير من الوعظ والعيش على انتظار النهاية بينما أقرانهم هناك يستمتعون بالحياة.
    مع أن هذا الدين السمح لا يهديك سوى العيش الهانئ المطمئن، والنهاية الآمنة التي يتبعها خلود في الجنة.

    تحيتي لك ولقلمك،،،
    • فواز بن ناصر 05-04-2016 09:13 صباحاً
      أهلاً بك أستاذ رائد ..
      وأعتذر عن عدم الإنتباه لمداخلتك القيمة ..
      *الإلحاد أمره عظيم .. وأسباب تضخمه في المجتمع السعودي المحافظ ( أو الذي كانَ محافظاً ) كانت خامدة ؛ وعند تلاقح الأفكار العالمية مع مجتمع متقوقع على بعضه ؛ بدأ الإنفجار فظهر جلياً وواضحاً ، وكان التعامل معاه في منتهي الغباء !!
      وهذا ما حذر منه المفكر د.بكار في أحد كتبه !

      *
أكثر