تجربتي مع الشخصيات الصعبة!
في الحياة ثمة كدر كثير ؛ وثمّة بشر يسوقهم الله إلى حياتك على شكل ابتلاءات عظمى ! ومن المستحيل تخيّل أن لا تواجه شخصاً سيئاً أو حتى صعباً في حياتك ، ربما يكون صديقك ، قريبك ، أستاذك ، طالبك ، أو حتى موظف الخدمة العامة!
في حياتي ألتقي بهؤلاء الأصناف في السفر والمعيشة والحياة اليومية والجامعة والعمل وتقريباً في كل مكان ؛ وبينما كانت معرفتهم محنة كبيرة فإنه في ذات الوقت كان منحة وهديّة لاكتشاف نفسي ! فمن أخلاقهم الصلبة رأيتُ كيف تتفاعل نفسي ؛ ردود الفعل الذاتية ، ومن تعاملاتهم الصعبة ونفسياتهم المتقلّبة أدركتُ معرفة مستوى أخلاقياتي وأدبياتي ومبادئي وفتح لي ذلك مساقات واسعة ومساحات وافرة من التأمل وعمليات التغيير الناجحة في نفسي .
حسناً ؛ أحياناً نتعلّم من المصاعب ما لا نتعلمّه من الكتب والمكاتب!
في مدينتي كان هناك اثنين من المزارعين وكان كل منهم لديه مزرعته؛ نشب بينهما عداوة فقال الأول : حسنا، سنبني سوراً عازلاً بيننا على أن نتقاسم التكلفة فرفض الثاني فقام الأول ببناء السور وبعد البناء جاء المزارع الثاني قائلاً للأول : أرى الآن أن لدينا سوراً؟ لقد قام باستفزاز الأول الذي بنى السور من حسابه الخاص ؛ فأجابه الأول: عملت هذا السور من حسابي الخاص وإذا رأيت أية حركة لك بالقرب منه فسأضربك وبقراتك بالنار ؛ فأطبق الصمت على فم الثاني وعاد وبنى هو سوراً عازلاً بينه وبين جاره ؛ فأصبح هناك سورين ، وتعززت العداوة !
بعد فترة قصيرة رحلا إلى الدار الآخرة وما زال هذين السورين شاهدين على فداحة ما قاموا به !
كان كل ذلك بسبب الكبرياء الذي بدى من أحدهما تجاه الآخر حتى آخر نفس ! في كثير من الأحيان نظن أننا على حق والحق أننا على غير صواب!
أول نقطة مهمة حول هذا : عندما تتعامل مع الشخصيات الصعبة عليك أن تكون متواضعاً ، أظهر أخلاقك العالية ، طبّق ردود فعلك العاقلة ، أغرقهم بلطفك ولا تناقشهم كثيراً ، حاول التأثير عليهم لتغيير سلوكهم ولكن عبر طرق غير مباشرة تماماً وبعد فترات طويلة من اكتساب الثقة ؛ كما أن الإحسان هو سالب لقلوب البشر ، والتواضع قيمة انسانية فاضلة ومؤثرة في الوقت ذاته.
النقطة الثانية : القبول !
في تعاملي مع الشخصيات الصعبة كنت أقول دائماً لا بد أن أغيّرهم لا بد أن استبدل سلوكياتهم ومع الوقت اكتشفت أن القبول بالتعامل معهم على حالهم هو في حد ذاته فن رفيع للغاية وعلم جدير بالتأمل ! لقد توصّلت إلى أنني مُخطئ فلا يمكن فرض التغيير على أحد لا يهتم به ! إنك عندما تتقبل في علاقاتك الناس على طبائعهم وأخلاقياتهم فأنت تؤسس لسلام داخل نفسك ؛ إن إيمانك بالقبول يمنحك أنفاس عجيبة في التأمل وحتى التأثير في الآخرين!
كان صديقي المقرّب من أشرس الشخصيات التي واجهتها في حياتي كان صعباً سهلاً في آن واحد ، كنا غير متوافقين في كثير من الأمور ؛ وكان هو صعب المعاملة ؛ لقد كان الشيء الذي يجمعنا هو قبول الآخر والاحترام البالغ حتى في أحلك التجاذبات ؛ ومع ذلك فقد تغيّر صديقي إلى الأفضل بشكل رائع ، مرّدُ ذلك هو أنني قبلتُ بكل ما فيه من حيث المبدأ فلم أجبره على فعل ما لا يحب ولم أغرقه بالنقاشات والخلافات لقد فهم أنني أقبله ومع الوقت أصبح هو كما أحبُ وأريد، والحمد لله .
النقطة الثالثة : الصبر !
العلاقات هي شجيرات صغيرة بحاجة للنمو والتغذية فثمّة عواصف وأمطار وصيف وشتاء إذن فالصبر مفتاح العلاقات الناجحة مع الشخصيات الصعبة.
في يوم ما كنت أعمل سكرتيراً لسيدة كانت من أقسى وأصعب الشخصيات التي رأيتها في مجالات العمل ؛ لدرجة أن أكثر من خمسة موظفين طلبوا النقل من إدارتها ، واستقدمت ثلاثة سائقين فهربوا منها ؛ كانت صارمة غاضبة عصيّة ولا تبتسم ولستُ أدري كيف هي حياتها في بيتها!
في حين أنها كانت تعاملني بكل صرامة ودقة شديدة في العمل والمكتب الخاص فقد كنت أواجه تعنّتها بكل هدوء وتصرّفات عقلانية وابتسامات مع كل أمر وكان الصبر سيد الموقف ، في يوم ما دخلت السيدة المكتب في وقت مبكر وكانت إحدى الموظفات تتحدث إلي في الهاتف شاكية تصرفات السيدة القاسية والمؤذية والعدوانية فقلتُ لها: إنها سيدة طيبة ولكنها قاسية للغاية ! المفاجأة أن السيدة كانت تقف على رأسي وتسمعني وكنتُ ممسكاً بالهاتف ووجهي إلى ناحية الطريق العامة في المكتب الذي يقع في برج مرتفع بحيث أرى معالم كل شيء في الخارج!
بعد الاتصال ، قالت لي السيدة بنظرات مخيفة ، هل أنا قاسية ، الناس يقولون عني ذلك؟
صمتُ قليلاً ثم قلتُ : قلت نعم نعم أنتِ قاسية ومُريعة حقاً ولكنك في ذات الوقت طيبة للغاية ؛ وأعتقد أنه حان الوقت لكي تتغيري !
فدخلت مكتبها دون كلمة.
أخذت السيدة عطلة "إجازة" وبعد الإجازة عادت بوجه مختلف كلياً ، ودودة متفهمّة رائعة ومتعاونة !
الخلاصة :الصبر على العلاقات الصعبة مهم لأؤلئك الأذكياء الذين يحسنون تقدير المواقف ومواطن التغيير ، أعتقد أنني لو لم أصبر على هذه السيدة ورحلت من العمل في مكتبها لكانت حتى الساعة ووقت كتابة هذا المقال سيئة الذكر والأخلاق والتعامل!
الكثير في مذكراتي حول ذلك ولكن لسوء الحظ أن هذه زاوية مقال وينبغي أن لا تكون أطول من ذلك.
ألقاكم الثلاثاء المقبل في ذات اليوم والتوقيت.
للتواصل: اتركوا رسالة على العناوين التالية:
جوال: 966556053319*
البريد الإلكتروني:
hichambinmohammed@gmail.com
في حياتي ألتقي بهؤلاء الأصناف في السفر والمعيشة والحياة اليومية والجامعة والعمل وتقريباً في كل مكان ؛ وبينما كانت معرفتهم محنة كبيرة فإنه في ذات الوقت كان منحة وهديّة لاكتشاف نفسي ! فمن أخلاقهم الصلبة رأيتُ كيف تتفاعل نفسي ؛ ردود الفعل الذاتية ، ومن تعاملاتهم الصعبة ونفسياتهم المتقلّبة أدركتُ معرفة مستوى أخلاقياتي وأدبياتي ومبادئي وفتح لي ذلك مساقات واسعة ومساحات وافرة من التأمل وعمليات التغيير الناجحة في نفسي .
حسناً ؛ أحياناً نتعلّم من المصاعب ما لا نتعلمّه من الكتب والمكاتب!
في مدينتي كان هناك اثنين من المزارعين وكان كل منهم لديه مزرعته؛ نشب بينهما عداوة فقال الأول : حسنا، سنبني سوراً عازلاً بيننا على أن نتقاسم التكلفة فرفض الثاني فقام الأول ببناء السور وبعد البناء جاء المزارع الثاني قائلاً للأول : أرى الآن أن لدينا سوراً؟ لقد قام باستفزاز الأول الذي بنى السور من حسابه الخاص ؛ فأجابه الأول: عملت هذا السور من حسابي الخاص وإذا رأيت أية حركة لك بالقرب منه فسأضربك وبقراتك بالنار ؛ فأطبق الصمت على فم الثاني وعاد وبنى هو سوراً عازلاً بينه وبين جاره ؛ فأصبح هناك سورين ، وتعززت العداوة !
بعد فترة قصيرة رحلا إلى الدار الآخرة وما زال هذين السورين شاهدين على فداحة ما قاموا به !
كان كل ذلك بسبب الكبرياء الذي بدى من أحدهما تجاه الآخر حتى آخر نفس ! في كثير من الأحيان نظن أننا على حق والحق أننا على غير صواب!
أول نقطة مهمة حول هذا : عندما تتعامل مع الشخصيات الصعبة عليك أن تكون متواضعاً ، أظهر أخلاقك العالية ، طبّق ردود فعلك العاقلة ، أغرقهم بلطفك ولا تناقشهم كثيراً ، حاول التأثير عليهم لتغيير سلوكهم ولكن عبر طرق غير مباشرة تماماً وبعد فترات طويلة من اكتساب الثقة ؛ كما أن الإحسان هو سالب لقلوب البشر ، والتواضع قيمة انسانية فاضلة ومؤثرة في الوقت ذاته.
النقطة الثانية : القبول !
في تعاملي مع الشخصيات الصعبة كنت أقول دائماً لا بد أن أغيّرهم لا بد أن استبدل سلوكياتهم ومع الوقت اكتشفت أن القبول بالتعامل معهم على حالهم هو في حد ذاته فن رفيع للغاية وعلم جدير بالتأمل ! لقد توصّلت إلى أنني مُخطئ فلا يمكن فرض التغيير على أحد لا يهتم به ! إنك عندما تتقبل في علاقاتك الناس على طبائعهم وأخلاقياتهم فأنت تؤسس لسلام داخل نفسك ؛ إن إيمانك بالقبول يمنحك أنفاس عجيبة في التأمل وحتى التأثير في الآخرين!
كان صديقي المقرّب من أشرس الشخصيات التي واجهتها في حياتي كان صعباً سهلاً في آن واحد ، كنا غير متوافقين في كثير من الأمور ؛ وكان هو صعب المعاملة ؛ لقد كان الشيء الذي يجمعنا هو قبول الآخر والاحترام البالغ حتى في أحلك التجاذبات ؛ ومع ذلك فقد تغيّر صديقي إلى الأفضل بشكل رائع ، مرّدُ ذلك هو أنني قبلتُ بكل ما فيه من حيث المبدأ فلم أجبره على فعل ما لا يحب ولم أغرقه بالنقاشات والخلافات لقد فهم أنني أقبله ومع الوقت أصبح هو كما أحبُ وأريد، والحمد لله .
النقطة الثالثة : الصبر !
العلاقات هي شجيرات صغيرة بحاجة للنمو والتغذية فثمّة عواصف وأمطار وصيف وشتاء إذن فالصبر مفتاح العلاقات الناجحة مع الشخصيات الصعبة.
في يوم ما كنت أعمل سكرتيراً لسيدة كانت من أقسى وأصعب الشخصيات التي رأيتها في مجالات العمل ؛ لدرجة أن أكثر من خمسة موظفين طلبوا النقل من إدارتها ، واستقدمت ثلاثة سائقين فهربوا منها ؛ كانت صارمة غاضبة عصيّة ولا تبتسم ولستُ أدري كيف هي حياتها في بيتها!
في حين أنها كانت تعاملني بكل صرامة ودقة شديدة في العمل والمكتب الخاص فقد كنت أواجه تعنّتها بكل هدوء وتصرّفات عقلانية وابتسامات مع كل أمر وكان الصبر سيد الموقف ، في يوم ما دخلت السيدة المكتب في وقت مبكر وكانت إحدى الموظفات تتحدث إلي في الهاتف شاكية تصرفات السيدة القاسية والمؤذية والعدوانية فقلتُ لها: إنها سيدة طيبة ولكنها قاسية للغاية ! المفاجأة أن السيدة كانت تقف على رأسي وتسمعني وكنتُ ممسكاً بالهاتف ووجهي إلى ناحية الطريق العامة في المكتب الذي يقع في برج مرتفع بحيث أرى معالم كل شيء في الخارج!
بعد الاتصال ، قالت لي السيدة بنظرات مخيفة ، هل أنا قاسية ، الناس يقولون عني ذلك؟
صمتُ قليلاً ثم قلتُ : قلت نعم نعم أنتِ قاسية ومُريعة حقاً ولكنك في ذات الوقت طيبة للغاية ؛ وأعتقد أنه حان الوقت لكي تتغيري !
فدخلت مكتبها دون كلمة.
أخذت السيدة عطلة "إجازة" وبعد الإجازة عادت بوجه مختلف كلياً ، ودودة متفهمّة رائعة ومتعاونة !
الخلاصة :الصبر على العلاقات الصعبة مهم لأؤلئك الأذكياء الذين يحسنون تقدير المواقف ومواطن التغيير ، أعتقد أنني لو لم أصبر على هذه السيدة ورحلت من العمل في مكتبها لكانت حتى الساعة ووقت كتابة هذا المقال سيئة الذكر والأخلاق والتعامل!
الكثير في مذكراتي حول ذلك ولكن لسوء الحظ أن هذه زاوية مقال وينبغي أن لا تكون أطول من ذلك.
ألقاكم الثلاثاء المقبل في ذات اليوم والتوقيت.
للتواصل: اتركوا رسالة على العناوين التالية:
جوال: 966556053319*
البريد الإلكتروني:
hichambinmohammed@gmail.com