حتى يتعلم أبناءك المسؤولية
صوت المدينة - ايمان النجدي
كثيرا مانعطي ونبذل ونغدق على أبناءنا حتى لانراهم حرموا من شيء يوفر لهم طريق السعادة وأسبابها .أو لعقدة تحملنا المسؤولية مبكرا فنحميهم ونجنبهم مواجهة الحياة !
متوهمين أننا نصنع منهم قادة زمانهم وسادة عصرهم ، وأن ذلك يضيف لعلاقتنا بهم كسبا وحبا ، فنتحمل عنهم كل مسؤولياتهم ، نجنبهم خوض أيسر أمر بحجة الرحمة المبالغة ، ثم نرجو أن يتحملوا أدنى مسؤولية فضلا عن أعظمها ، ولن نجد لذلك سبيلا ، فنحن من أحطناهم بحصن نكفيهم التعب والمشقة .
والنتيجة - يغرقون في شبر ماء - ترتفع أصواتنا ونثور غضبا عند فشلهم في مواجهة أمر أوكلناه إليهم، قد ينجح من هو أصغر منهم سنا في معالجته .
فنجدهم لم يفلحوا في دراستهم التي بذلنا لهم فيها أفضل المدرسين الخصوصين، إضافة إلى تعليمهم في أعرق المدارس العالمية ، شخصياتهم ضعيفة ،عظامهم لينة هشة لم تعتد أن تعتمد على نفسها حتى في اختيار أبسط أمر !
وأعتقد أن السبب عائدٌ إلى سياستنا المتناقضة في التربية ، طرف يرفه ويدلل . وآخر يقسو ويزجر ويعنف ، ويلعب تخلي الآباء عن مسؤوليتهم في التربية والتهذيب دورا واضحا في ضياع الأبناء ، سواء من اتخذ منهم قرار الطلاق أو من كان منهم مجتمعَين في بيت واحد .
في المقابل نجد آباء وأمهات وإن لم يملكوا إلا اليسير من المادة ، إلا أنهم ربوا نماذج شامخة ، على مستوى عالٍ في الفكر والفقه والعلم ، والبر والإحسان والشفقة .
منهم سفيان الثوري، وما أدراك ما سفيان الثوري؟
إنه فقيه العرب، ومحدثهم، وأحد أصحاب المذاهب الستة المتبوعة، إنه أمير المؤمنين في الحديث، وما كان ذلك العَلَم الشامخ والإمام الجليل إلا ثمرةَ أُمٍ صالحةٍ حفظ لنا التاريخ مآثرها وفضائلها ومكانتها .
روى الإمام أحمد بمسنده عن وكيع قال: ((قالت أم سفيان لسفيان: يا بني: اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي)).
فكانت - رحمها الله - تعمل وتقدم له؛ ليتفرغ للعلم، وكانت تتخوَّله بالموعظة والنصيحة؛ قالت له ذات مرة فيما يرويه الإمام أحمد: ((يا بني إن كتبت عشرة أحرفٍ فانظر هل ترى في نفسك زيادة في خشيتك وحلمك ووقارك، فإن لم تر ذلك فاعلم أنها تضرك ولا تنفعك))
ولا يعني ذلك خلو زماننا ممن يضرب بهم المثل من الآباء والأمهات الفضلاء في توجيههم وتربيتهم لأبنائهم .
فمن ظن أن حنان الأبوة في إثقال كاهله بتحمل جُلَّ المسؤولية على ظهره ، ثم يشكو سلبية أبناءه وعدم مشاركتهم ، فهو من عليه وزر ذلك ، و هو بذلك قد صنع الأنانية جزءا من سلوك أبنائه ، فلا عجب أن نراهم لا يتخلون عن مطالبهم كسادة آمرين لفرط خلوهم من المسؤولية ، وإن كانوا يرون أباهم أو أمهم ساقطين ألما أمام أعينهم غير مبالين !
وكان من الواجب أن يربي ويعلم فلذة أكباده منذ سنواتهم الخمس الأولى فهي سنوات الغرس والتعليم بمايناسب كل مرحلة.
ولنتذكر قول الله عز وجل : ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) الرعد:11
وعن سبب فساد الأبناء قال ابن القيم رحمه الله:
«وكم ممَّن أشقى وَلَدَه وفلذةَ كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وتركِ تأديبه وإعانته له على شهواته، ويزعم أنه يُكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظَلَمَه وحرمه، ففَاتَهُ انتفاعُه بولده، وفوَّت عليه حظَّه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرتَ الفسادَ في الأولاد رأيتَ عامَّتَه من قِبَل الآباء».
إن الإنسان يحمل في داخله كوامن قوته ، فمن يعلم الرضيع أن يلتقم ثدي أمه ، ومن يهديه إلى الحبو ثم المشي ، فهو يحمل كل مايسيره إنسانا مسؤولا خليفة لعمارة الأرض، وكل ماعلينا هو فتح آفاق جديدة تخلق عنده روح التحدي لمواجهة الحياة وإثبات الذات .
أما إن حملنا عنه المسؤولية وأشعرناه أننا النبع المتدفق مالا يُنفَق ولسانا يتحدث ثم أردنا تعليمه والاعتماد عليه ، فلن يكون لديه الرغبة التامة في التعلم من جديد - فقد جعلنا منه شخصا معاقا ووفرنا له سُبل البلادة والخنوع - فيظل يقاوم ويقاوم ، حتى يرغمنا على إكمال دورنا السلبي ، إما بالرحمة أو الأعذار الواهية .
فالإصلاح لأمرٍ فسد يحتاج مجهودا وثمنا مضاعفا إما نتحمل دفعه بقرار شجاع ، أو نتابع عجزنا السابق لنصنع أجيال البطالة والكسل .
كثيرا مانعطي ونبذل ونغدق على أبناءنا حتى لانراهم حرموا من شيء يوفر لهم طريق السعادة وأسبابها .أو لعقدة تحملنا المسؤولية مبكرا فنحميهم ونجنبهم مواجهة الحياة !
متوهمين أننا نصنع منهم قادة زمانهم وسادة عصرهم ، وأن ذلك يضيف لعلاقتنا بهم كسبا وحبا ، فنتحمل عنهم كل مسؤولياتهم ، نجنبهم خوض أيسر أمر بحجة الرحمة المبالغة ، ثم نرجو أن يتحملوا أدنى مسؤولية فضلا عن أعظمها ، ولن نجد لذلك سبيلا ، فنحن من أحطناهم بحصن نكفيهم التعب والمشقة .
والنتيجة - يغرقون في شبر ماء - ترتفع أصواتنا ونثور غضبا عند فشلهم في مواجهة أمر أوكلناه إليهم، قد ينجح من هو أصغر منهم سنا في معالجته .
فنجدهم لم يفلحوا في دراستهم التي بذلنا لهم فيها أفضل المدرسين الخصوصين، إضافة إلى تعليمهم في أعرق المدارس العالمية ، شخصياتهم ضعيفة ،عظامهم لينة هشة لم تعتد أن تعتمد على نفسها حتى في اختيار أبسط أمر !
وأعتقد أن السبب عائدٌ إلى سياستنا المتناقضة في التربية ، طرف يرفه ويدلل . وآخر يقسو ويزجر ويعنف ، ويلعب تخلي الآباء عن مسؤوليتهم في التربية والتهذيب دورا واضحا في ضياع الأبناء ، سواء من اتخذ منهم قرار الطلاق أو من كان منهم مجتمعَين في بيت واحد .
في المقابل نجد آباء وأمهات وإن لم يملكوا إلا اليسير من المادة ، إلا أنهم ربوا نماذج شامخة ، على مستوى عالٍ في الفكر والفقه والعلم ، والبر والإحسان والشفقة .
منهم سفيان الثوري، وما أدراك ما سفيان الثوري؟
إنه فقيه العرب، ومحدثهم، وأحد أصحاب المذاهب الستة المتبوعة، إنه أمير المؤمنين في الحديث، وما كان ذلك العَلَم الشامخ والإمام الجليل إلا ثمرةَ أُمٍ صالحةٍ حفظ لنا التاريخ مآثرها وفضائلها ومكانتها .
روى الإمام أحمد بمسنده عن وكيع قال: ((قالت أم سفيان لسفيان: يا بني: اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي)).
فكانت - رحمها الله - تعمل وتقدم له؛ ليتفرغ للعلم، وكانت تتخوَّله بالموعظة والنصيحة؛ قالت له ذات مرة فيما يرويه الإمام أحمد: ((يا بني إن كتبت عشرة أحرفٍ فانظر هل ترى في نفسك زيادة في خشيتك وحلمك ووقارك، فإن لم تر ذلك فاعلم أنها تضرك ولا تنفعك))
ولا يعني ذلك خلو زماننا ممن يضرب بهم المثل من الآباء والأمهات الفضلاء في توجيههم وتربيتهم لأبنائهم .
فمن ظن أن حنان الأبوة في إثقال كاهله بتحمل جُلَّ المسؤولية على ظهره ، ثم يشكو سلبية أبناءه وعدم مشاركتهم ، فهو من عليه وزر ذلك ، و هو بذلك قد صنع الأنانية جزءا من سلوك أبنائه ، فلا عجب أن نراهم لا يتخلون عن مطالبهم كسادة آمرين لفرط خلوهم من المسؤولية ، وإن كانوا يرون أباهم أو أمهم ساقطين ألما أمام أعينهم غير مبالين !
وكان من الواجب أن يربي ويعلم فلذة أكباده منذ سنواتهم الخمس الأولى فهي سنوات الغرس والتعليم بمايناسب كل مرحلة.
ولنتذكر قول الله عز وجل : ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) الرعد:11
وعن سبب فساد الأبناء قال ابن القيم رحمه الله:
«وكم ممَّن أشقى وَلَدَه وفلذةَ كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وتركِ تأديبه وإعانته له على شهواته، ويزعم أنه يُكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظَلَمَه وحرمه، ففَاتَهُ انتفاعُه بولده، وفوَّت عليه حظَّه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرتَ الفسادَ في الأولاد رأيتَ عامَّتَه من قِبَل الآباء».
إن الإنسان يحمل في داخله كوامن قوته ، فمن يعلم الرضيع أن يلتقم ثدي أمه ، ومن يهديه إلى الحبو ثم المشي ، فهو يحمل كل مايسيره إنسانا مسؤولا خليفة لعمارة الأرض، وكل ماعلينا هو فتح آفاق جديدة تخلق عنده روح التحدي لمواجهة الحياة وإثبات الذات .
أما إن حملنا عنه المسؤولية وأشعرناه أننا النبع المتدفق مالا يُنفَق ولسانا يتحدث ثم أردنا تعليمه والاعتماد عليه ، فلن يكون لديه الرغبة التامة في التعلم من جديد - فقد جعلنا منه شخصا معاقا ووفرنا له سُبل البلادة والخنوع - فيظل يقاوم ويقاوم ، حتى يرغمنا على إكمال دورنا السلبي ، إما بالرحمة أو الأعذار الواهية .
فالإصلاح لأمرٍ فسد يحتاج مجهودا وثمنا مضاعفا إما نتحمل دفعه بقرار شجاع ، أو نتابع عجزنا السابق لنصنع أجيال البطالة والكسل .