• ×
الإثنين 25 نوفمبر 2024

الحديقة بين الخيال والحقيقة

بواسطة الكاتب : باسم القليطي 01-27-2017 10:48 مساءً 4326 زيارات
صوت المدينة - باسم القليطي

باتت الحياة مليئة بالمُنغّصات والضغوط النفسيّة, وأصبح القلق والتوتّر معايشة شبه يوميّة, فمن أخبار الحروب والقتل والدمار, إلى الغلاء والازدحام وهموم الايجار, ومن مصاريف الدراسة والملابس والأساسيات, إلى سداد الفواتير وأقساط البنوك والجمعيّات, لذلك أصبحنا بأمس الحاجة إلى ترفيهٍ جميل, وصدورنا اشتاقت لذاك الهواء العليل, فلن نطمح لوجود مسارح وسينما, ولن نتأمل في مُشاهدة سيرك أو عروض بهلوانية, ولن نتخيل وجود حدائق حيوانات أو حدائق أسماك, وبالتأكيد ليست جميع مُدننا ساحلية, كي نستمتع بأمواج البحر ورمال الشاطئ, ما نريده فقط حديقة ذات أشجارٍ ظليلة, وأزهارٍ جميلة, تتسلل أشعة الشمس بين أوراقها وغصونها, وتُراقصها نسماتٌ من الهواء عليلة, وأصوات حفيف الأشجار تمتزج مع تغاريد العصافير وضحكات الأطفال, لتصنع أجمل موسيقى طبيعية تملأ المكان بهجةً وجمال.

فإذا كانت هذه حاجة الكبار للحديقة, فحاجة الصغار لها أشد وأعظم, انظر إلى نسبة السكري والبدانة بينهم, ,وإلى هشاشة العظام وضعف النظر عندهم, سيطر عليهم الخمول وحاصرهم الكسل, وأصابعهم تداعب الأجهزة بلا ملل, هي أنشط أعضائهم, فهي أكثر ما يتحرك فيهم, الأحياء السكنية ليست مُهيأة لكي يلعبوا, والمدارس ليست مُهتمة بأن يلعبوا, فإذا رأيتموهم مرضى وبدناء فلا تستغربوا, فأراضي الحدائق منها ما أكله الفساد, ومنها ما هو مخفي عن عيون العباد.

عندنا مثلاً في المدينة النبويّة اختفت الحدائق والملاهي, واستُبدِلت بألعاب المولات التجارية, حيث لا أشجار, ولا شمس, ولا هواء نقي, مُحاطة بمختلف مطاعم الوجبات السريعة, ذات الروائح الشهيّة, والمخاطر الصحيّة, فتجد حركة الأطفال قليلة, فلا هم يركضون ولا هم يتحركون, هم فقط يجلسون والألعاب تتحرك وتتحرك, ويتجولون بين مطعمٍ هنا ومطعمٍ هناك, فيخرجون من المول وقد خسروا كل شيء عدا أوزانهم, وما يحدث في المدينة هو تقريباً حال كل مدينة, مع التفاوت النسبي بين عدد السكان وعدد الأشجار في الحدائق, ولا تسأل كم شجرة لكل مواطن, بل اسأل كم غصن شجرة لكل مواطن, لكي تكون النسبة عادلة, وتكون المشاعر بها متفائلة.

وإذا وُجدت الحديقة فلنكن شاكرين لله عز وجل, ومقدّرين لمن اهتم بها وأوجدها, فهي أُنشئت لنا ولأجلنا, فلا نُخرّب ولا نُدمّر, ولنكن على قدر المسؤولية, نعتني بنظافة المكان, ونهتم بحقوق الإنسان, فالذي سيأتي بعدنا إما أن يدعو لنا, وإما أن يدعو علينا, بحسب المنظر الذي سيراه, وماذا يفعل عُمال النظافة المساكين, فقد أرهقت ظهورهم قاذورات المُهملين, ولكن عزاؤنا أن الخير أقوى من الشر, والعمار أجمل من الدمار, والحياة أعظم من الموت, يقول مصطفى صادق الرافعي: (ما أعجب سر الحياة! كلُ شجرة في الربيع جمالٌ هندسيٌ مستقلّ. ومهما قطعت منها وغيرت من شكلها أبرزتها الحياة في جمال هندسيّ جديد كأنك أصلحتها, ولو لم يبق منها إلا جذرٌ حيّ أسرعت الحياة فجعلت له شكلاً من غصون وأوراق, الحياة الحياة, إذا أنت لم تُفسدها جاءتك هداياها).

جديد المقالات

الإداري الناجح اليوم يجب أن يتمتع بعدة مهارات وخصائص. أولاً : القدرة على التكيف مع التغيرات...

قصيدة بمناسبة اليوم الوطني السعودي من يلمني في هواه أَأُلام بعشقي لترابِه زاد أمني في...

قصيدة بمناسبة اليوم الوطني يا وطني يا تاج العز علا هامي والكل يراه يا وطني أفديك بروحي...

تلعب الإدارة الناجحة دورًا حاسمًا في نمو ونجاح أي منظمة. لأنها تنطوي على مزيج من التواصل الفعال ،...

لم تخلق الجهات الأربع عبثاً؟! إنها إشارة إلى حرية أن يكون لنا خيارات في هذه الوسيعه حين نقف...

أكثر