• ×
الجمعة 22 نوفمبر 2024

بائعة المناديل: فقرٌ وتضليل

بواسطة الكاتب : باسم القليطي 06-28-2016 03:16 مساءً 6676 زيارات
صوت المدينة / باسم القليطي

رأيتها تجري بين السيارات تلهث كي تبيع علب المناديل, عمرها لا يتجاوز الأربع سنوات, أما ملامحها فتحكي الحكايات, مُظفرة الشعر تمشي حافية القدمين كأن حرارة الأرض لا تعنيها أو أنها لا تؤثر فيها, اقتربت مني وعلى وجهها ما يشبه الابتسامة ولكنها ليست كذلك هذا ما أخبرتني به عيناها, كأنها تلومُني على شقاها, وهي صادقةٌ في ذلك فلو كنت أمتلك شيئاً يسيراً من الرحمة لأعطيتها كل ما في جيبي أو نصفه أو ربعه أو حتى ثُمنه, ولكنني قاسي مثلي مثل الموجودين هناك, وربما كنت أهونهم فقد تأملتُ ملامحها الحزينة واشتريت منها علبة مناديل متعاطفاً معها, وعاملتها وكأنها بائعٌ في محل, فأعطيتها ثمن العلبة كاملاً دون خجل, الله ما أكرمني فقد أعدت إليها الأمل!

وربما غيري لم يلقي لها بالاً ولم يرأف بها حالاً, وربما الآخر أزعجها وروّعها ببوق سيارته, يريد منها الابتعاد عن طريق حضرة سعادته, أُناس قُساة وشمس وحرارة وفقر وحاجة, وهي مع كل هؤلاء الخصوم صابرة, تمشي بخطواتٍ متثاقلة حائرة, ولا يحفزها سوى صوت أمها وهي توجهها من مكان إلى آخر .

وهناك سيارة متوقفة فيها صديقان يتحدثان رقَّ أحدهما لحالها فقال: سأناديها وأشتري منها , فقاطعه الآخر قائلاً: (يا عمي هؤلاء كذّابين ممثلين) .

أستغرب وأضحك ممن يقول مثل هذا الكلام فهو علاوة على تركه فعل الخير يصدُ الآخرين عنه, حتى لو افترضنا أن هذه الطفلة تُمثل بتوجيهٍ من أمها ألا تستحق مكافأة على تمثيلها, ألست ترى في المدن السياحيّة حول العالم أفعى تتراقص على عزف الناي وهي لا تسمعه بل تتبع حركاته, وألست ترى قرداً يقفز ويلعب هنا وهناك مرتدياً ملابس مضحكة, وألم تشاهد مهرجاً أو ممثلاً ايحائياً يقوم بحركاتٍ غريبة وعجيبة, والناس يضعون لهم النقود اعجاباً وتشجيعاً, ألا تستحق منّا هذه الصغيرة البريئة, هذه الخطوة الكبيرة الجريئة! وهي اعطائها بضعُ ريالات, لعلها تنفعنا في الحياة وبعد الممات.

تمنيت في تلك اللحظة أن أرها مبتسمة, وأن تكون الفرحة على ملامحها مرتسمة, لا شيء أكثر قسوة من حاجة الصغير وفقره, فالكبير يفهم ظروفه ويعيش على قدره, أما الصغير يريد ما يريده كل الصغار, يريد حلوى يريد لعبة يريدها مهما صار, ولكنها شدةُ الفقر وذُلّ الحاجة, لذلك اعتقد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال هذه المقولة: (لو كان الفقر رجلا لقتلته) قد رأى موقفاً استفز مشاعره وأطلق لسانه بهذه العبارة البليغة, وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعيذ من الفقر فيقول: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ"

وكان يقول في دعائه: "اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ, وَأَغْنِنَا مِنْ الْفَقْرِ "

وتذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يرحم الله من لا يرحم النَّاس))(رواه البخاري)

جديد المقالات

الإداري الناجح اليوم يجب أن يتمتع بعدة مهارات وخصائص. أولاً : القدرة على التكيف مع التغيرات...

قصيدة بمناسبة اليوم الوطني السعودي من يلمني في هواه أَأُلام بعشقي لترابِه زاد أمني في...

قصيدة بمناسبة اليوم الوطني يا وطني يا تاج العز علا هامي والكل يراه يا وطني أفديك بروحي...

تلعب الإدارة الناجحة دورًا حاسمًا في نمو ونجاح أي منظمة. لأنها تنطوي على مزيج من التواصل الفعال ،...

لم تخلق الجهات الأربع عبثاً؟! إنها إشارة إلى حرية أن يكون لنا خيارات في هذه الوسيعه حين نقف...

أكثر