رمضان وذكريات زمان
صوت المدينة / باسم القليطي
أمر على الأماكن ، شوارع أو مساكن ، تجول بي الذكريات ، وتتنوع الحكايات ، أذكر هنا تعالت الضحكات ، وهنا كنا نلعب المباريات ، وهنا نجلس ونرتاح ، ما بين مقالبٍ ومزاح .
وأما هُناك فكنا نصعد على السور ، ويختلط فينا الشعور ، هذا خائف وهذا مسرور ، وأنا من الارتفاع رأسي يدور, نسمع الأذان فنقفز على الأرض, نجري لكي نتوضأ ولا يفوتنا الفرض, كانت الحارة كالبيت الكبير, الرجل فيها له الاحترام والتقدير, والمرأة هي أمٌ أو خالة أو أخت تُخدم دون تقصير, والجار تُعرض عليه المساعدة قبل أن يطلُبها, ولو كان معه أغراضٌ كثيرة فثق أنه لن يحملها وحده, فستجد الأيادي تمتد لتساعده, مبدأ التعاون في الحارة أصيل قلّ أن تجد له مثيل .
وأما ألعابنا فكانت بسيطة, وأجسامنا كانت نشيطة, بعيدين عن التقنية وما تسببه من خمول, وإتلافٍ للنظر وتشويهٍ للعقول, وكنا نتقاسم اللقمة ونتشارك في أغلب الأشياء, (الأنا) كانت عندنا ضعيفة, ونفوسنا بفطرتها لطيفة, فنجمع ما معنا من نقود ونشتري ما نريد من طعامٍ أو ألعاب, فلا تجد من يقول أنا دفعت أكثر ولي النصيب الأكبر, فالكل متساوي, وهذا طبع أهل الحواري.
وأما رمضان فعالم آخر وإحساس آخر, ترى الناس ما بين صلاة تراويح وقراءة قرآن, وما بين اجتماع أصحاب ولقاء إخوان, والبيوت من زيارات الأهل صارت كخلايا النحل, وعندما أشاهد (الرائي ) فإنني أشاهد ما يشاهده أصدقائي, فهي قناتان لا ثالث لهما, فكنا نشاهد برنامج (حروف) الذي يجمع بين المتعة والتثقيف, وكنا نتبادل الطعام فترسلني أمي بصنفين وأرجع بعدة أصناف, وعلى المائدة تتعدد الألوان والأوصاف, بلا تبذيرٍ ولا إسراف, وقبل الآذان نسمع صوت المدفع, فنأكل حتى نشبع, وتجتمع الأسرة وقت الإفطار لتشاهد برنامج ( على مائدة الإفطار) للفقيه الأديب الشيخ الحبيب علي الطنطاوي, فيقرأ الرسائل ويشرح الفتاوى, ويذكر الأحكام ويحكي الحكايا .
والحرم النبوي كان بيتنا الثاني, ففيه نصلي أغلب الفروض, والتراويح والتهجد, نتلو القرآن ونرجو عفو الرحمن, نُشاهد أغلب الجنسيات ومختلف الثقافات, تجمعنا أخوة الإسلام لا قرابة دمٍ وأرحام, ومواقف السيارات كانت فسيحة, والحركة حول الحرم كانت مريحة, لا نعرف الاختناق ولا الازدحام, تحفنا السكينة ويملؤنا السلام, نجاور سيد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام .
وفي الليل نجتمع حول الفرافير والبسّطات, فتختلط الروائح بالأصوات, فرائحة البليلة الممتلئة بالخل قد ملئت الشارع, وصوت المفرقعات كدويّ المدافع, وتقام الدواري في أغلب الحواري, لأن كرة القدم من بين الألعاب هي الأهم .
ما يميز الذكريات أنها تُعيد النفس لما قد عاشته بالأمس, فإن كانت الذكريات جميلة, جلبت المشاعر الجميلة, وإن كانت أليمة, جلبت المشاعر الأليمة, فكن من الذكريات الجميلة للناس من حولك, بالمعاملة الحسنة, والمشاعر المتزنة, ومشاركتهم في الأفراح, والتلطّف بجميل المزاح .
عندما كنا صغار كانت نظرتنا بريئة, فلا نرى سوى الجمال من كل شيء, فكانت أغلب الذكريات بحلوها ومرها جميلة, وتمر الأيام وتمر السنين, وتتغير الأحوال ويزداد الحنين, وكلما زاد بي الشوق رجعت لتلك الحارة, أتجوّل في شوارعها وأتفقد المارّة, أتحسّر على زمنٍ فات, وأسترجع أحلى الذكريات .
مـرت لنـا أعوام وصـلٍ بالحـمـى فكأنها مـن قِــصّــرهــا أيــام
ثـــم انثنت أيامُ هــجــرٍ بـعـدهـا فكأنها مـن طــولــهــا أعـوام
ثم انقضت تلك السُنون وأهلهـا فـكأنـهـا وكأنــهم أحـــــلام
أمر على الأماكن ، شوارع أو مساكن ، تجول بي الذكريات ، وتتنوع الحكايات ، أذكر هنا تعالت الضحكات ، وهنا كنا نلعب المباريات ، وهنا نجلس ونرتاح ، ما بين مقالبٍ ومزاح .
وأما هُناك فكنا نصعد على السور ، ويختلط فينا الشعور ، هذا خائف وهذا مسرور ، وأنا من الارتفاع رأسي يدور, نسمع الأذان فنقفز على الأرض, نجري لكي نتوضأ ولا يفوتنا الفرض, كانت الحارة كالبيت الكبير, الرجل فيها له الاحترام والتقدير, والمرأة هي أمٌ أو خالة أو أخت تُخدم دون تقصير, والجار تُعرض عليه المساعدة قبل أن يطلُبها, ولو كان معه أغراضٌ كثيرة فثق أنه لن يحملها وحده, فستجد الأيادي تمتد لتساعده, مبدأ التعاون في الحارة أصيل قلّ أن تجد له مثيل .
وأما ألعابنا فكانت بسيطة, وأجسامنا كانت نشيطة, بعيدين عن التقنية وما تسببه من خمول, وإتلافٍ للنظر وتشويهٍ للعقول, وكنا نتقاسم اللقمة ونتشارك في أغلب الأشياء, (الأنا) كانت عندنا ضعيفة, ونفوسنا بفطرتها لطيفة, فنجمع ما معنا من نقود ونشتري ما نريد من طعامٍ أو ألعاب, فلا تجد من يقول أنا دفعت أكثر ولي النصيب الأكبر, فالكل متساوي, وهذا طبع أهل الحواري.
وأما رمضان فعالم آخر وإحساس آخر, ترى الناس ما بين صلاة تراويح وقراءة قرآن, وما بين اجتماع أصحاب ولقاء إخوان, والبيوت من زيارات الأهل صارت كخلايا النحل, وعندما أشاهد (الرائي ) فإنني أشاهد ما يشاهده أصدقائي, فهي قناتان لا ثالث لهما, فكنا نشاهد برنامج (حروف) الذي يجمع بين المتعة والتثقيف, وكنا نتبادل الطعام فترسلني أمي بصنفين وأرجع بعدة أصناف, وعلى المائدة تتعدد الألوان والأوصاف, بلا تبذيرٍ ولا إسراف, وقبل الآذان نسمع صوت المدفع, فنأكل حتى نشبع, وتجتمع الأسرة وقت الإفطار لتشاهد برنامج ( على مائدة الإفطار) للفقيه الأديب الشيخ الحبيب علي الطنطاوي, فيقرأ الرسائل ويشرح الفتاوى, ويذكر الأحكام ويحكي الحكايا .
والحرم النبوي كان بيتنا الثاني, ففيه نصلي أغلب الفروض, والتراويح والتهجد, نتلو القرآن ونرجو عفو الرحمن, نُشاهد أغلب الجنسيات ومختلف الثقافات, تجمعنا أخوة الإسلام لا قرابة دمٍ وأرحام, ومواقف السيارات كانت فسيحة, والحركة حول الحرم كانت مريحة, لا نعرف الاختناق ولا الازدحام, تحفنا السكينة ويملؤنا السلام, نجاور سيد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام .
وفي الليل نجتمع حول الفرافير والبسّطات, فتختلط الروائح بالأصوات, فرائحة البليلة الممتلئة بالخل قد ملئت الشارع, وصوت المفرقعات كدويّ المدافع, وتقام الدواري في أغلب الحواري, لأن كرة القدم من بين الألعاب هي الأهم .
ما يميز الذكريات أنها تُعيد النفس لما قد عاشته بالأمس, فإن كانت الذكريات جميلة, جلبت المشاعر الجميلة, وإن كانت أليمة, جلبت المشاعر الأليمة, فكن من الذكريات الجميلة للناس من حولك, بالمعاملة الحسنة, والمشاعر المتزنة, ومشاركتهم في الأفراح, والتلطّف بجميل المزاح .
عندما كنا صغار كانت نظرتنا بريئة, فلا نرى سوى الجمال من كل شيء, فكانت أغلب الذكريات بحلوها ومرها جميلة, وتمر الأيام وتمر السنين, وتتغير الأحوال ويزداد الحنين, وكلما زاد بي الشوق رجعت لتلك الحارة, أتجوّل في شوارعها وأتفقد المارّة, أتحسّر على زمنٍ فات, وأسترجع أحلى الذكريات .
مـرت لنـا أعوام وصـلٍ بالحـمـى فكأنها مـن قِــصّــرهــا أيــام
ثـــم انثنت أيامُ هــجــرٍ بـعـدهـا فكأنها مـن طــولــهــا أعـوام
ثم انقضت تلك السُنون وأهلهـا فـكأنـهـا وكأنــهم أحـــــلام