وجــــــه الغــــــد
صوت المدينة / اسراء طه ابو ريـه
تتفرعُ من كلّ دربٍ سويٍ دروبٌ ضائعة، وفي كلٍّ منها تمشي نفوسٌ جائعَة، تبحث عن قُوتِها في فَلاه، وهَيهاتَ أن تَلتقيه، ونحنُ لا نُدرك ذلك ولا نَعيه.
لأننا نسيرُ في طيِّ العشوائية،ِ وتحتَ سقفِ التسليمِ للظروفِ المهيَمنَة، وقيادةِ النفسِ الجارفة، والأهواءِ الزّائفَة.
وحكمُنا يسلِّطُ عدسَاتِه على الظّاهر فنَتّبِعُهُ ونُعجَبُ به، ولا نُلقي بالاً لما خَفِيَ في بُطونِ الأقنِعَةِ الواهِنَة، والسّرابيلِ الدّاكِنه.
فضالوا الطَّريق كثيراً ما يَدَّعونَ السَّعادة، ويُوارِبونَ المَداخلَ الصَّحيحةَ إلى عُمقهم، ليتَفادُون الكَشفَ عن بَواطِنِهم العَكِرة.
ليسَ بالضرورة أن تَرتدي صُورهُم الزاهيةُ الصدقَ دوماً؛ فازدِواجيّةُ المَلامحِ ، وارتِجاجُ الإيماءاتِ ، وزلزلةُ العينينِ ؛ كفيلةٌ بالسُّفورِ عن ذاتٍ مُعَرقَلَةٍ.
والسيرُ في سَبيلٍ مَجهولٍ نحو مَجهُولٍ سَينتهي إلى اللّاشيء، وربما هاويةٌ سحيقةٌ بلا زَوايا أو قَسَماتٍ، وربما أفضَلُ من ذلك .
كيفَ يبدو السَّيرُ إلى حيثُ لا نَدري؟
وكيفَ يبدو دربٌ لا تجَمّلُه لوحاتٌ إرشاديةٌ بارزةٌ؟
وكيف تبصرُ سبيلاً يخلو من قَناديلٍ مُضيئةٍ تنيرُ بقيةَ مَسلكِكَ وَ وِجهتِك؟
بوضــوح أكثر ..
كيــــف تَبدو حياتُك بلا خُطة؟
بلا أهدافٍ مرسُومَةٍ، ولا مَلامحَ معلومَةٍ.
ستتغنجُ بالتّفاهات، وتَتَراقصُ على أنغامِ النّزَواتِ، ويَتلو الخَواءُ على لسانِك أعذَبَ أغنِياتِهِ، ثم سَيضحكُ بصوتِك عَدوُّكَ، ويعِيشُكَ غَيرُك، ويَكتُبُكَ كلُّ سِواكَ.
وحينَ تجدُ نفسَكَ في مُنتصَفِ كلِّ شيء لاتجيدُ السّير ولا الانتهاءَ ولا تتَقدَّمُ فتجاورُ خُطواتِ العظماءِ، سَتظنُ بأنكَ جَاهلٌ؛ ولستَ إلاّ كذلك.
ها أنت تُتقِنُ ارتداءَ قناعِك الضّاحِكِ من فرطِ الّلهوِ 'هرباً'، وجوفُكَ تَنخُرُهُ الحَسرةُ، وعيناكَ يُثقلُها الضّياعُ، وجَسدُك خالٍ منك.
هَكــذا نَحن..
على مَتنِ الهِمَم الخَرقاءِ نتأرجَحُ، وبينَ النَّزواتِ الهَوجاءِ نتَرنَّح، ونبكي الذل وقد بكانا، وما قد رامَ سُكنانا، ونَرتَضِيه نِداً وخِلاً وإنّه لو خُيِّر ما ارتَضَانا.
ثمَّ نغفُو على وَسائِدِ التَّيهِ، ونَتَلحفُ دَوّامَاتِ الحَيرَه، فتُوقِظُنا آهَاتُ الضَّمائِرَ المَوعُوكَةِ، وتُغرِقُنا في ِبَحرِ دِمائها المَسفُوكَةِ، وما يُداويها إلاّ رقدَةٌ يسبِقهاُ عَمَلٌ سَديد، ويَتبعُها فَجرٌ جَديد.
وإنَّ مِن كلَّ سَقطَةٍ لنا نهوض، ومن كلِّ تجربةٍ عبرة، ولكلِّ أغوارٍ عميقةٍ سَبرَة، ولسنا نُطيقُ الرَّحيلَ بلا طَائل، ولم تَكُن نِهاياتُ الدُّروبِ بعدَ جُهدً طِبقاً لبدايتِها الخاويةِ إلا في ضُروب المُستَحيل.
تحتاجُ إلى قُصاصَةِ وَرَقٍة وقَلم، وزاوية هادئة وربما ضوءٌ خافت.
ثم ... (خَــطِّط ) اكتب (هــدفاً)
زَخرِف به جُدران حُجرتِك، وأخشابُ مَكتَبك، وأرصِفَةِ مِرآتِك، وَ اسعَ لهُ بِهمَّة وَثَّابَة
لن توقِفَكَ الأبوابُ الموصَدةُ، ولا المَمراتُ الوَعِرَةُ، ولا المسافاتُ المُمتَدَّة، وقبُيلَ كل خطوةٍ جديدةٍ ستَقِفُ لِربطِ حِزامِ ثِقَتِكَ، وإبرازِ عَزمِكَ، وتجدِيدِ وَقودِ صَبركَ، ولن تُصابَ بالإعياءِ من قِلةِ النَّومِ والراحةِ وغيابِ الرَّفاهية، ولن تَرتاعَ إن دَاهمَك قُطّاعُ الطُّرق،ِ وهَمُّوا بِسلبِ أسلحتِكَ، وتَثبِيطِكَ عن المُواصلة؛ (فأنتَ لاترى إلا مُرادك).
ومازالت الآمالُ لامِعةً، والشّمسُ سَاطِعَة، ومَنصّاتُ المَجدِ واسِعَة.
ما زلتَ هُنا، ولكنّكَ تنعَكِسُ هُناكَ في سَفحِ السُّؤدَد، وتَلمَعُ كَمُهَنَّدٍ أغمَد، تَختالُ في عِزك، يَحسُدُكَ الغَوّاصُونَ في المَالِ وتُجَّارُ الزَّبَرجَد.
سَيُخالُلُكَ الصَّبر، ويَربتُ على كَتفيكَ الأمَلُ، وتُصَفّقُ لكَ عَتباتُ المَجد، وترتدي العَزمُ حتى تَسقُطَ في كَنفِ حُلمِكَ مُحقَّقاً.
ستبتَهــج، ستُعانِقُـكَ أجنِحَةُ الإنجـــازِ، ويُقَبــلُ جبينَكَ الكَون، سيتَهــلَّلُ بك وَجـــــهُ الغَـــــد.
للتصويت للمقال الذهاب الرئيسية واتباع التالي
تتفرعُ من كلّ دربٍ سويٍ دروبٌ ضائعة، وفي كلٍّ منها تمشي نفوسٌ جائعَة، تبحث عن قُوتِها في فَلاه، وهَيهاتَ أن تَلتقيه، ونحنُ لا نُدرك ذلك ولا نَعيه.
لأننا نسيرُ في طيِّ العشوائية،ِ وتحتَ سقفِ التسليمِ للظروفِ المهيَمنَة، وقيادةِ النفسِ الجارفة، والأهواءِ الزّائفَة.
وحكمُنا يسلِّطُ عدسَاتِه على الظّاهر فنَتّبِعُهُ ونُعجَبُ به، ولا نُلقي بالاً لما خَفِيَ في بُطونِ الأقنِعَةِ الواهِنَة، والسّرابيلِ الدّاكِنه.
فضالوا الطَّريق كثيراً ما يَدَّعونَ السَّعادة، ويُوارِبونَ المَداخلَ الصَّحيحةَ إلى عُمقهم، ليتَفادُون الكَشفَ عن بَواطِنِهم العَكِرة.
ليسَ بالضرورة أن تَرتدي صُورهُم الزاهيةُ الصدقَ دوماً؛ فازدِواجيّةُ المَلامحِ ، وارتِجاجُ الإيماءاتِ ، وزلزلةُ العينينِ ؛ كفيلةٌ بالسُّفورِ عن ذاتٍ مُعَرقَلَةٍ.
والسيرُ في سَبيلٍ مَجهولٍ نحو مَجهُولٍ سَينتهي إلى اللّاشيء، وربما هاويةٌ سحيقةٌ بلا زَوايا أو قَسَماتٍ، وربما أفضَلُ من ذلك .
كيفَ يبدو السَّيرُ إلى حيثُ لا نَدري؟
وكيفَ يبدو دربٌ لا تجَمّلُه لوحاتٌ إرشاديةٌ بارزةٌ؟
وكيف تبصرُ سبيلاً يخلو من قَناديلٍ مُضيئةٍ تنيرُ بقيةَ مَسلكِكَ وَ وِجهتِك؟
بوضــوح أكثر ..
كيــــف تَبدو حياتُك بلا خُطة؟
بلا أهدافٍ مرسُومَةٍ، ولا مَلامحَ معلومَةٍ.
ستتغنجُ بالتّفاهات، وتَتَراقصُ على أنغامِ النّزَواتِ، ويَتلو الخَواءُ على لسانِك أعذَبَ أغنِياتِهِ، ثم سَيضحكُ بصوتِك عَدوُّكَ، ويعِيشُكَ غَيرُك، ويَكتُبُكَ كلُّ سِواكَ.
وحينَ تجدُ نفسَكَ في مُنتصَفِ كلِّ شيء لاتجيدُ السّير ولا الانتهاءَ ولا تتَقدَّمُ فتجاورُ خُطواتِ العظماءِ، سَتظنُ بأنكَ جَاهلٌ؛ ولستَ إلاّ كذلك.
ها أنت تُتقِنُ ارتداءَ قناعِك الضّاحِكِ من فرطِ الّلهوِ 'هرباً'، وجوفُكَ تَنخُرُهُ الحَسرةُ، وعيناكَ يُثقلُها الضّياعُ، وجَسدُك خالٍ منك.
هَكــذا نَحن..
على مَتنِ الهِمَم الخَرقاءِ نتأرجَحُ، وبينَ النَّزواتِ الهَوجاءِ نتَرنَّح، ونبكي الذل وقد بكانا، وما قد رامَ سُكنانا، ونَرتَضِيه نِداً وخِلاً وإنّه لو خُيِّر ما ارتَضَانا.
ثمَّ نغفُو على وَسائِدِ التَّيهِ، ونَتَلحفُ دَوّامَاتِ الحَيرَه، فتُوقِظُنا آهَاتُ الضَّمائِرَ المَوعُوكَةِ، وتُغرِقُنا في ِبَحرِ دِمائها المَسفُوكَةِ، وما يُداويها إلاّ رقدَةٌ يسبِقهاُ عَمَلٌ سَديد، ويَتبعُها فَجرٌ جَديد.
وإنَّ مِن كلَّ سَقطَةٍ لنا نهوض، ومن كلِّ تجربةٍ عبرة، ولكلِّ أغوارٍ عميقةٍ سَبرَة، ولسنا نُطيقُ الرَّحيلَ بلا طَائل، ولم تَكُن نِهاياتُ الدُّروبِ بعدَ جُهدً طِبقاً لبدايتِها الخاويةِ إلا في ضُروب المُستَحيل.
تحتاجُ إلى قُصاصَةِ وَرَقٍة وقَلم، وزاوية هادئة وربما ضوءٌ خافت.
ثم ... (خَــطِّط ) اكتب (هــدفاً)
زَخرِف به جُدران حُجرتِك، وأخشابُ مَكتَبك، وأرصِفَةِ مِرآتِك، وَ اسعَ لهُ بِهمَّة وَثَّابَة
لن توقِفَكَ الأبوابُ الموصَدةُ، ولا المَمراتُ الوَعِرَةُ، ولا المسافاتُ المُمتَدَّة، وقبُيلَ كل خطوةٍ جديدةٍ ستَقِفُ لِربطِ حِزامِ ثِقَتِكَ، وإبرازِ عَزمِكَ، وتجدِيدِ وَقودِ صَبركَ، ولن تُصابَ بالإعياءِ من قِلةِ النَّومِ والراحةِ وغيابِ الرَّفاهية، ولن تَرتاعَ إن دَاهمَك قُطّاعُ الطُّرق،ِ وهَمُّوا بِسلبِ أسلحتِكَ، وتَثبِيطِكَ عن المُواصلة؛ (فأنتَ لاترى إلا مُرادك).
ومازالت الآمالُ لامِعةً، والشّمسُ سَاطِعَة، ومَنصّاتُ المَجدِ واسِعَة.
ما زلتَ هُنا، ولكنّكَ تنعَكِسُ هُناكَ في سَفحِ السُّؤدَد، وتَلمَعُ كَمُهَنَّدٍ أغمَد، تَختالُ في عِزك، يَحسُدُكَ الغَوّاصُونَ في المَالِ وتُجَّارُ الزَّبَرجَد.
سَيُخالُلُكَ الصَّبر، ويَربتُ على كَتفيكَ الأمَلُ، وتُصَفّقُ لكَ عَتباتُ المَجد، وترتدي العَزمُ حتى تَسقُطَ في كَنفِ حُلمِكَ مُحقَّقاً.
ستبتَهــج، ستُعانِقُـكَ أجنِحَةُ الإنجـــازِ، ويُقَبــلُ جبينَكَ الكَون، سيتَهــلَّلُ بك وَجـــــهُ الغَـــــد.
للتصويت للمقال الذهاب الرئيسية واتباع التالي