• ×
الجمعة 22 نوفمبر 2024

ليتها تعود

بواسطة الكاتبة : اسماء ابراهيم طالب 07-02-2015 07:01 صباحاً 9549 زيارات
صوت المدينة / اسماء طالب


الذكريات دائمًا مؤلمة حتى وإن كانت جميلة لأنها لن تعود ولن تتكرر .


لا يمكننا الحديث عن الذكريات إلا والتطرق لأجمل مرحلة في حياة الإنسان ألا وهي مرحلة الطفولة ،فما زلنا نكبر ونكبر ويزداد عمرنا يومًا بعد يوم وما زالت طفولتنا تبعد عنا وتبتعد ولم يبقى منها إلا الذكرى .


ماذا أقول عن الطفولة ؟ تتبعثر الكلمات عند الحديث عنها ، عن أيام الطفولة ،عن براءة الطفولة وشقاوتها عن حلوها ومرها ، نعم حتى مرها أصبح الآن كطعم العسل .


دائمًا أقول في نفسي يا ليت تلك الأيام تعود ليتها تصبح حقيقة لا ذكريات تكاد تُنسى .


عالم الطفولة:عالم غريب هذا العالم صفحته بيضاء لا حدود له ولا قوانين ، يبحر الطفل في خياله ليصل إلى أقطاب العالم وأقاصيه إلى كل مكان وزمان يخطر في باله ، وما إن يشاهد فقرة من مسلسلٍ على التلفاز إلا وخلال ثوانٍ معدودة يصبح أحد شخصياتها ، ينصرُ الخيرَ دائمًا ويتمنى لو كان مكان بطل هذا المسلسل .


الطفولة تعني لنا الكثير والكثير تعني لنا الدار الذي احتضننا ، كل زاوية في هذا الدار شهدت قصة أو موقف حدث معنا وكل جدار في هذا الدار يحمل ما رسمنا عليه ، الطفولة تعني العودة إلى ذاك الحي الذي شهد لعبنا وركضنا وتعثرنا ، تعني الأصدقاء الذين شاركونا أسعد اللحظات وتبادلنا أطراف الحديث -حديث الطفولة البريء- الذي لا يخالطه غيبة ولا نميمة ، الطفولة تعني أيضًا لا هموم ولا مسؤوليات ترهق العقل والقلب كان همنا الوحيد من لعبته أجمل ؟ماذا سنأكل اليوم؟ متى ستبدأ فقرة الأطفال؟ التي لا تتجاوز مدتها ساعة على شاشة التلفاز آنذاك .


والآن كبرنا وحققنا حلمنا بأن نكبر فأصبح كل ماضينا سرابًا ذكرى لا غير، لا نستطيع إعادة وتكرار الماضي إما لفقدان شخص أو مكان أو لفقدان تلك البراءة التي كانت ترافقنا في كل تحركاتنا وتصرفاتنا ، الآن أصبح كلٌ منا على أرض كلٌ منا له حياته الخاصة ، قد تخونني الذاكرة أحيانًا لأنسى إحدى صديقاتي أو أنسى إحدى المواقف ولكن لا أستطيع إلا أن ابتسم ابتسامة عريضة عندما أتذكر شيئًا من هذه الأيام ، لم أكن أتخيل أنني سأكبر بهذه السرعة وأنها ستخطف مني أجمل أيام حياتي أيام طفولتي .


ما أجمل تلك الأيام حيث لا خداع ولا حسد ولا حقد .

صحيح أن معظم أحلامي قد تحققت ولله الحمد ولكن طعم الحلم والتطلع للمستقبل له طعم خاص لا نشعر به إلا بعد أن يتحقق ويصبح الحلم حقيقة .


أما الآن فالطفولة مُنتهكة إما لحرب إلكترونية تتحكم في عقول الأطفال وتسرق وقتهم ، أو لحرب حقيقية تحكمت في كل ما حولهم وسرقت منهم كل شيء كأطفالنا الآن في سوريا وفلسطين هؤلاء أطفال ذهبت طفولتهم في الحرب والنار عاشوا بين أصوات المدافع والبندقيات لعبتهم أصبحت بندقية برامجهم اليومية أخبارٌ وحوادث ،هذا وإن كان هناك تلفاز أو محطات تلفزيونية ، أطفالنا هناك يعرفون الوقت من أصوات المدافع عِوضًا عن معرفتهم الوقت بالساعة لا بيوت لهم ولا مدارس ولا أصدقاء حتى وإن كان هناك صديق فسوف يموت غدًا أو يهاجر مع عائلته أو يُعتقل ،لا جدران يرسمون عليها لأن لا بيوت لهم بل خِيَم ، ليس لديهم حتى أقلام يرسمون بها لأن الأولى لهم ادّخار المال لشراء طعامهم وطعام أهلهم لأن مالهم ذهب مع ما ذهب منهم ،الآن ليس لهم سِوا البكاء والآهات ، ليس في طفولتهم موقف جميل وآخر سيء بل كلها سيئة وكلها مُرّة.

الآن أصبح همهم ماذا سيأكلون غدًا؟أين سيكونون بعد قليل في بيتهم أو في المخيم أم خارج البلاد من سيفقدون بعد قليل أم؟ أب؟ أخ؟ هل سيصبحون بلا أهل؟ أم سينفطر قلب أهلهم عليهم بموتهم أو فقدانهم ؟

في بلاد الحرب لا وجود للطفولة ، الجميع كبير لا وجود للضعف والبراءة ولا وجود للدموع بالأمس كنا نحلم ماذا سنصبح في المستقبل أطباء معلمين أم مهندسين، أما هم فلا يستطيعون الحلم لأنهم لا يملكون أملًا بالعيش للغد لا يمكنهم تمني شراء الحلوى لأن حتى الخبز أصبح صعب المنال ، هم عندما يكبرون لن يستطيعون نسيان طفولتهم الصعبة طفولتهم المسروقة ولا نسيان أي لحظة منها ، سوف تبقى مناظر الدماء والقتل أمام أعينهم سوف يبقى صوت الطائرات والصواريخ في آذانهم ،و ليتهم ينسون .


لا يسعني في نهاية الكلام إلا أن أدعو ربي بألا يحرمهم لذة الطفولة التي ذقناها وعشناها بكل تفاصيلها وأن يجعل نهاية حزنهم سعادة ونصر على من سرق طفولتهم ، وأن تعود تلك الأيام الجميلة لأعيشها مرة آخرى ولينعم أطفالنا الآن بطفولة بريئة خالية من كل حزن .



للتصويت للمقال الذهاب الرئيسية واتباع التالي
image

جديد المقالات

الإداري الناجح اليوم يجب أن يتمتع بعدة مهارات وخصائص. أولاً : القدرة على التكيف مع التغيرات...

قصيدة بمناسبة اليوم الوطني السعودي من يلمني في هواه أَأُلام بعشقي لترابِه زاد أمني في...

قصيدة بمناسبة اليوم الوطني يا وطني يا تاج العز علا هامي والكل يراه يا وطني أفديك بروحي...

تلعب الإدارة الناجحة دورًا حاسمًا في نمو ونجاح أي منظمة. لأنها تنطوي على مزيج من التواصل الفعال ،...

لم تخلق الجهات الأربع عبثاً؟! إنها إشارة إلى حرية أن يكون لنا خيارات في هذه الوسيعه حين نقف...

أكثر