هل سوء الظن فراسة وفن ؟
بواسطة الكاتب : باسم القليطي
07-02-2015 06:34 صباحاً
9469 زيارات
صوت المدينة / باسم القليطي
لماذا سوء الظن ؟ البعض يسيء الظن لجهلٍ أو سوءِ فهم , والبعض لحسدٍ أو حقد , والبعض لمصاحبته أهل الفسق والفجور, قال أبو حاتم البستي: (صحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار) , والبعض دائماً يسيء التعميم , والبعض يعتقد أن سوء الظن فراسة وفن, والبعض دائماً متعجّل في إطلاق الأحكام, بلا تقصّي ولا استفهام .
وأنت لو راجعت نفسك , واستعدت ذكرياتك , لوجدت مواقف كثيرة أسئت فيها ظنك, واستعجلت فيها إطلاق حُكمك, أذكر أني كنت في مواقف أحد الأسواق أنتظر صديقاً لي , وأثناء انتظاري شدّ انتباهي مشهد سيارة تقف أمامي وتقترب منها سيدتان إحداهما كبيرة والأخرى شابه , تدفعان عربة محملة بالأغراض, وبداخل السيارة شاب يجلس مرتاحاً, ومع اقترابهم لم يحرِك ساكناً , بل إنهم بدئوا بإنزال الأغراض , ولم أجد منه أي اعتراض , فقلت في نفسي بامتعاض : ما هذا الشاب المدلل العاق , يترك لأمه وأخته هذا العمل الشاق , وبعد هذا الاتهام بدقيقة , اتضحت لي الحقيقة , ورأيت المشهد الكامل , بعد أن ختمته بهذا الحكم , بكل حماقةٍ ولؤم , أسأت الظن بهذا الشاب , دون أن أتبين الأسباب , وحتى لو لم تتضح أمامي , وجب علي إحسان الظن وتجنبيه اتهامي , وبعد أن أنهت الشابة تحميل الأغراض , أخرجت من السيارة مقعداً متحركاً وفتحته , وبجانب أخيها وضعته , حاول الجلوس عليه بصعوبة , وبمساعدتهم استطاع ركوبه , وكل ذلك وأنا أتأمل المشهد بخجل , وأندم على كل ما حصل , ثم قامت أخته بدفع الكرسي متجهة إلى مكتب الأحوال المدنيّة الموجود داخل السوق , فاستنتجت أنه ذاهبٌ لإنهاء بعض الأوراق وأني أسئت الظن, وتعلمت من هذا الموقف درسي , بأن لا أنشغل إلا في نفسي , وأن ألتمس للناس ألف عذر , خيرٌ لي من ظُلمٍ يتبعه قهر, ولا يُنصِّبُ نفسه على الناس قاضي , إلا من هو فارغٌ فاضي , وتذكرت قول الشاعر :
خذ من الناس ما ظهـــــر ودع الأمر الذي استتر
واشتغل بالعيب في نفسك عن عيوب البشــــــر
رب أمـــرٍ أنت كبّرتــــه ولو أنت صغّرته لصغر
وسوء ظنِ الناس لا يسلم منه أحد , حتى الرسول صلى الله عليه وسلم خشي أن يساء فيه الظن , فعن صفية بنت حيي قالت: ((كان النبي عليه الصلاة والسلام معتكفًا، فأتيته أزوره ليلًا، فحدثته، ثم قمت لأنقلب، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي عليه الصلاة والسلام أسرعا، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: على رسلكما، إنها صفية بنت حيي. فقالا: سبحان الله يا رسول الله، قال عليه الصلاة والسلام: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرًا أو قال: شيئًا)) (رواه مسلم) .
قال ابن بطال: (في قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((إنها صفية)) السنة الحسنة لأمته، أن يتمثلوا فعله ذلك في البعد عن التهم ومواقف الريب).
ويجب على المسلم أن يعتاد حُسن الظن بالناس , وأن لا ينشغل بهم كثيراً , وإذا أساء الظن في أحد أن يستغفر الله U ويُبعد عنه هذه الظنون , فمن استسلم لها أصبح بها مفتون, وأن يحاول دائماً إيجاد المخارج للآخرين , يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لا يحل لامرئٍ مسلم سمع من أخيه كلمة أن يظنَّ بها سوءًا، وهو يجد لها في شيء من الخير مخرجًا) .
ودائماً تذكر قول الله عز وجل: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ { (الحجرات-12)
للتصويت للمقال الذهاب الرئيسية واتباع التالي
لماذا سوء الظن ؟ البعض يسيء الظن لجهلٍ أو سوءِ فهم , والبعض لحسدٍ أو حقد , والبعض لمصاحبته أهل الفسق والفجور, قال أبو حاتم البستي: (صحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار) , والبعض دائماً يسيء التعميم , والبعض يعتقد أن سوء الظن فراسة وفن, والبعض دائماً متعجّل في إطلاق الأحكام, بلا تقصّي ولا استفهام .
وأنت لو راجعت نفسك , واستعدت ذكرياتك , لوجدت مواقف كثيرة أسئت فيها ظنك, واستعجلت فيها إطلاق حُكمك, أذكر أني كنت في مواقف أحد الأسواق أنتظر صديقاً لي , وأثناء انتظاري شدّ انتباهي مشهد سيارة تقف أمامي وتقترب منها سيدتان إحداهما كبيرة والأخرى شابه , تدفعان عربة محملة بالأغراض, وبداخل السيارة شاب يجلس مرتاحاً, ومع اقترابهم لم يحرِك ساكناً , بل إنهم بدئوا بإنزال الأغراض , ولم أجد منه أي اعتراض , فقلت في نفسي بامتعاض : ما هذا الشاب المدلل العاق , يترك لأمه وأخته هذا العمل الشاق , وبعد هذا الاتهام بدقيقة , اتضحت لي الحقيقة , ورأيت المشهد الكامل , بعد أن ختمته بهذا الحكم , بكل حماقةٍ ولؤم , أسأت الظن بهذا الشاب , دون أن أتبين الأسباب , وحتى لو لم تتضح أمامي , وجب علي إحسان الظن وتجنبيه اتهامي , وبعد أن أنهت الشابة تحميل الأغراض , أخرجت من السيارة مقعداً متحركاً وفتحته , وبجانب أخيها وضعته , حاول الجلوس عليه بصعوبة , وبمساعدتهم استطاع ركوبه , وكل ذلك وأنا أتأمل المشهد بخجل , وأندم على كل ما حصل , ثم قامت أخته بدفع الكرسي متجهة إلى مكتب الأحوال المدنيّة الموجود داخل السوق , فاستنتجت أنه ذاهبٌ لإنهاء بعض الأوراق وأني أسئت الظن, وتعلمت من هذا الموقف درسي , بأن لا أنشغل إلا في نفسي , وأن ألتمس للناس ألف عذر , خيرٌ لي من ظُلمٍ يتبعه قهر, ولا يُنصِّبُ نفسه على الناس قاضي , إلا من هو فارغٌ فاضي , وتذكرت قول الشاعر :
خذ من الناس ما ظهـــــر ودع الأمر الذي استتر
واشتغل بالعيب في نفسك عن عيوب البشــــــر
رب أمـــرٍ أنت كبّرتــــه ولو أنت صغّرته لصغر
وسوء ظنِ الناس لا يسلم منه أحد , حتى الرسول صلى الله عليه وسلم خشي أن يساء فيه الظن , فعن صفية بنت حيي قالت: ((كان النبي عليه الصلاة والسلام معتكفًا، فأتيته أزوره ليلًا، فحدثته، ثم قمت لأنقلب، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي عليه الصلاة والسلام أسرعا، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: على رسلكما، إنها صفية بنت حيي. فقالا: سبحان الله يا رسول الله، قال عليه الصلاة والسلام: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرًا أو قال: شيئًا)) (رواه مسلم) .
قال ابن بطال: (في قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((إنها صفية)) السنة الحسنة لأمته، أن يتمثلوا فعله ذلك في البعد عن التهم ومواقف الريب).
ويجب على المسلم أن يعتاد حُسن الظن بالناس , وأن لا ينشغل بهم كثيراً , وإذا أساء الظن في أحد أن يستغفر الله U ويُبعد عنه هذه الظنون , فمن استسلم لها أصبح بها مفتون, وأن يحاول دائماً إيجاد المخارج للآخرين , يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لا يحل لامرئٍ مسلم سمع من أخيه كلمة أن يظنَّ بها سوءًا، وهو يجد لها في شيء من الخير مخرجًا) .
ودائماً تذكر قول الله عز وجل: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ { (الحجرات-12)
للتصويت للمقال الذهاب الرئيسية واتباع التالي
