الصمت الأنيق

في زمن الضجيج، يولد الصمتُ سيدًا.
وفي حضرة الجلبة، يعلو الوقارُ همسًا.
الصمتُ الأنيقُ... ليس غيابًا، بل حضورٌ من نوعٍ آخر.
هو لغةُ النبلاء، ووشاحُ الحكماء، وسلاحُ العقلاء.

هو ردٌّ بليغ، لا يخطئه التأويل.
وهو توقيعُ الكبرياء على صفحة الخذلان.
إذا نطقتَ، عرّفتَ نفسك.
وإذا صمتَّ، حيّرت خصمك.

الصمتُ الأنيق، حكايةٌ دون حروف.
وروايةٌ تُروى، بلا اعتراف ولا اعتذار.
هو الحرفُ الذي لم يُكتب، لأنه أبلغ من المكتوب.
وهو الصوتُ الذي لم يُسمع، لأنه أصدق من المسموع.

في الصمت رفعة، وفي البوح رهبة.
وقد تكون الدموع أبلغ من الكلمات.
وقد يكون السكوت أشرس من ألف عبارة.

الصمت الأنيق لا يُكسرُ إلا لصدق،
ولا يُفكُّ إلا لحكمة،
ولا يُفرّطُ فيه إلا جاهل.

هو درعٌ من كرامة، وسترٌ من حنان،
هو كبرياء ناعم، وعتب ناطق،
هو وداعٌ مهذب، ورفضٌ متحضر.

في حضرة الجرح، يصير الصمت دواء.
وفي لحظة الخذلان، يصير الصمت عزاء.
لا حاجة للتبرير، حين يكون الكبرياء حاضراً.
ولا جدوى من العتاب، إذا كان الغياب جارحًا.

الصمت الأنيق... لا يصرخ، لا يشكو، لا يُهين.
لكنه يُعلِّم، يُربِّي، ويضع الحدود دون ضجيج.

هو وعدٌ بالصبر،
وقَسمٌ بالحكمة،
ورجاءٌ بالارتقاء.

من يتقنه، ارتقى.
ومن يجهله، أساء.
فاختر صمتك كما تختار ملامحك،
وازنه كما تزن كلمتك.

ففي عالمٍ يتكاثر فيه الصخب،
يبقى الصمت الأنيق... أنبلَ لغةٍ لا تُترجم.



سَكَتُّ وفي فُؤادي ألفُ نارِ
وأخفيتُ العذابَ بلا انكسارِ

كأنّ الصمتَ درعي في جراحٍ
به أسمو، وأحيا بافتخارِ

فما كلُّ الكلامِ دليلُ فكرٍ
ولا كلُّ السكوتِ عن انحدارِ

أنا أنثى، وإن جارَ السكوتُ
أُقيمُ الحقَّ في وجهِ الحوارِ

أُسطّرُ من جراحِ الصمتِ لحنًا
يعزفُني على وترِ الوقارِ

وأمشي والوقارُ يلوحُ دربي
وصبري في يديّ هوىً ونارِ

كفوفُ الحرف ترجفُ من جراحي
ولكنّي أبيتُ على اقتدارِ

فما ضعفُ السكوتِ سوى ادّعاءٍ
وما كلُّ السكوتِ عن انكسارِ