رحلة علاج
كثيرا ما نقع تحت طائلة المرض ، تطول المدة أو تقصر ، تزيد الحِدّة فلا نعد عليه نقدر ، أو تقل فيرحل دون أن نخسر ...
وفي كلا الحالين لا بد نصبر *، ومع كل ألم بالصبر نؤجر ...
ولكن ...
إن رافقنا حتى يتأصل وبالأحشاء يكبر ، وصار بكل قوته للأعضاء يعصر ، وظل مع الأيام بالأجساد ينخر ، هل ستظل قدرتنا عليه تظهر ؟؟!! ، وهل سيظل يتلاعب بنا ، ومن الآلام يسخر ؟؟!! ، *وبزرعها فينا سيفخر ، ومن أنواعها بالكَومِ يُحضر ، وهل سنُحرَم الأجر إن صارت الآلام من الأجسام أكبر ؟؟!! ، وصارت الأحلام كالأوهام تقهر ؟؟!! ، وصار القلب يترقب غروبه حيث يُقْبَر ...؟؟!! .
لأننا سنكون قد أنهينا رصيدنا من الحياة جوهر *، حتى وإن كنا على قيدها شكلا ومظهر ...
وكأننا نرتدي ( طاقية الإخفاء ) حين صار الجمع عسكر *، فليس الأمر في يدنا ولا يدها ... فالأمر أكبر ، حتى وإن اختفينا ، فذاك سيكون من الحياة ، وليس منها وذاك أخطر *، فهزلها جِدّنا ، وجَهْدُها ضِدُّنا ، وعُنْفُها هدّنا ، ومن أهدافه عدّنا ، وكلما قوينا لضعفنا ردّنا ، وبات يتحكم بنا وكأنه أبونا وجدّنا ، فقد باتت مصيرنا ، والمصير لها حدّنا (والله أكبر ) ، وعلى إنهائها فالله أقدر ...
وبالرغم من كل ذلك ، ولأجل ذلك ، كان لزاما علينا أن نقاومها ، ولها نحارب ، وللبحث عن طرق الخلاص منها أجرينا التجارب ، وبحقنا من الحياة قمنا نطالب ، نبحث عن إيجابياتها ، ونُلقي السالب ، ونأخذ أجرها فبها مكاسب ، ونرجو بُرْءَها وتلك أسمى المطالب ...
وحتى يتحقق لنا ما نريد ، علينا أن نبحث لها عن علاج ، ونرجو لضيقتنا منها انفراج ، وبالتوكل على الله ننير في ظلمتنا بها السراج ، ونقيم بقوتنا عليها أي اعوجاج ، فمن فعل فهو ناج ، حتى وإن كان فيه ارتجاج ...
ورحلة العلاج تلك لا تقتصر على الأدوية التي يصفها الطبيب ، ولا المسكنات التي نتناولها فجرا أو في المغيب ، ولا بالتنقل بين المستشفيات بعيدها قبل القريب ، ولا بالبحث عن الوصفات على سبيل التجريب ، فهو وإن كان مساعدا على إنهائها وبه نطيب ، إلا أنها مجرد وسيلة قد تخطئ وقد تصيب ، وقد تنجح وقد تخيب ، وقد يتحقق لنا بها ما نطلب ، وقد نخسر بسببها حتى يطول بنا النحيب ، ولن يفهم قولي إلا اللبيب ، ولن يدرك معناه إلا الفطن *الأريب ..
وسأضرب مثالا بنفسي على سبيل التقريب ...
فقد غزاني المرض منذ مدة ، فلما استسلمت له أراه استفحل ...
وما زال يفرض نفوذه بداخلي حتى تأصّل ..
ولم يكتفِ بما نال مني ، فها هو بين أضلعي يتنقل ...
ولم يترك لي مساحة مني ، وصار يملكني دون أن يخجل ...
فلم أدع مُجربا ، إلا وعن تجربته كنت أسأل ...
ولم أترك طبيبا إلا ، وقصدته ليتدخل ...
علّه يشفع لي عنده ، وبطريقته لحلّ الأمر يتوصل ...
وربما بمعرفته به ، يقنعه بأن يجمع جيشه ويرحل ...
ويترك لي بقايا جسدي ، لأعيد ترميمه ، وليته يفعل ...
ويغادر بقعتي التي صارت به مثل عاجز بالهمّ مثقل ..
أو مثل عامل للصخر ينقل ...
طرقت كل الأبواب ، فكانت مغلقة أمامي ، وكأن مفاتيحها بجعبتي تتبدل ...
ووحده باب القبر مفتوحا ، ودائي على أعتابه يدفعني لأدخل ...
فلم ينفع هذا ولا ذاك ، ولم أعد أعرف ماذا سأفعل ..
فقدصار دمي في دورته ، كضيق مُنْخل ..
وصار قلبي نبضه ، كصخب مُنْحَل ...
حتى العظام بضعفها كقوس مِنْجَل ..
وتلك بعض جوارحي بالنزف توحل ...
فإلى متى سأطيق صبرا ، فقد تمادى ليس يرحل ...
فجلست مع نفسي ، وحادثتها ، وعلى تخليصها من غزوه عاهدتها ، وبالعمل على هزمه وعدتها ، وبحاجتي لها صارحتها ، وبتحمل قسوتي طالبتها ، ومعها وبها ولها واجهت كل تلك الآلام وحاربتها ، ولم أكن أتوقع الانتصار ، ولكنها حاجة في النفس وأطلقتها ، وطرد للضعف و بطريقتي طبقتها ...
فبدأت رحلتي في العلاج ، ليس طبا فقط ..
فجمعت الحروف ووزعت عليها النقط ..
وحصرت أشلائي ، فما سلم منه التقطت ..
ولبدء حربه تهيأت ، ثم انطلقت ...
ولخطتي في دحره طَبّقت ...
حتى قلبته على نفسه ، *وعليه بداخلي أطبقت ...
فلم أسمح له بالظهور ، إلا بما عن إخفائه عجزت ...
ولم أترك له مسلكا للعبور ، إلا وله بالمسكنات ردمت ..
فواجهته رغم ضعفي ، فأخفته ..
وحاربته وبداخل كهفي ، أخفيته ..
وكلما اعتصرني ألما ، صرخت حتى صرعته ..
فكانت صرختي بوجهه زئيرا به أفزعته ..
وكلما هاجمني بكيت ، حتى شغلته ..
فكان بكائي عطاء ، ضاعفته وبه زرعته ...
فأثمر الألم عن أمل لما حصدته ...
وكان مرضي دافعا لما قبلته ...
وكان علاجي بيدي لما وجدته ...
فكان كلما يقوى ، يجدني منه أقوى حتى حصرته ...
وكلما اقترب ، يجدني عنه أنأى فليتني أضعته ...
ومازال يباغتني وأباغته ، وهذا منهجا على نفسي فرضته ...
وطالما أنه أقسم أن يرافقني ، فقد أقسمت أن أتَسَيَّدَه حتى رَوَّضْتُه ...
فجعلته دوما خلفي ، فإن تقدمني بيوم لطارئ ، أعدته ...
وكلما سبقني ، شحذت همتي ، وملأت وقودي بقوّتي حتى سبقته ...
فلم يعد يرضيني لحاقه ، فقد مللت رفقته ، وهذا ما أدركته * ...
فإن قُدِّر عليَّ أن يكون نصفي ، فقد رضيت إيمانا ، وإن كنت حقيقةً قد رفضته ...
وإن كُتِب عليَّ أن يكون رِدْفِي ، فقد مَضيت إيقانا بأني بلحظة قد نسيته ..
وإن كان الألم يذكرني به مرارا ، إلا أني عنادا ، سأبدو وكأني ما ذكرته ...
فأن يظل قابعا ينهش داخلي ، خير من تشويه صورتي إن أطعته ...
وأن أخفي دمعتي بابتسامتي ، خير من رفع صوتي بالبكاء ، وبذا طعنته ...
فصار دائي وحصاره دوائي ، وذابحي وهو ذبيحي ، وقاتلي وقتيلي ، وآسري وأسيري ، وهذا سرّي معه الذي أخفيته ...
وما بُحْتُ به اليوم إلا لنصح كل مريض ، ولولا حبي لكم ما نشرته ...
فعلاجكم بأيديكم ، هي رحلة تخوضوها مع مرضكم وطريقها لكم أوضحته ...
ومفتاحها بيدكم ، فانطلقوا ، وعون الله وقودكم فيها سيقودكم كما شرحته ...
فليجمع كل شخص ألمه ، وليس ذاك صعبا فقد جمعته *، ويحشره بقلبٍ مؤمنٍ ، فقد ضَعُفَ لما حشرتُه *، ويغلق عليه بعقلٍ مدركٍ ، ليبيده كما أبدته ، ثم يطرحه ببحر الأمل كما طرحته ....
فلم أعد أهتمُّ به إذا ذكرته ... ، ولا أهابه إذا رأيته ...
فإن عاد عُدْنا ، وإن زاد زِدْنا ، ويكفيني يقيني بأن أمر الله نافذ ، ورضانا به إن أتى للشفاء قادنا ، وللأوجاع بالإيمان *قُدْنا ، وعليها ( *بعون الله ) سُدْنا ....
وفي كلا الحالين لا بد نصبر *، ومع كل ألم بالصبر نؤجر ...
ولكن ...
إن رافقنا حتى يتأصل وبالأحشاء يكبر ، وصار بكل قوته للأعضاء يعصر ، وظل مع الأيام بالأجساد ينخر ، هل ستظل قدرتنا عليه تظهر ؟؟!! ، وهل سيظل يتلاعب بنا ، ومن الآلام يسخر ؟؟!! ، *وبزرعها فينا سيفخر ، ومن أنواعها بالكَومِ يُحضر ، وهل سنُحرَم الأجر إن صارت الآلام من الأجسام أكبر ؟؟!! ، وصارت الأحلام كالأوهام تقهر ؟؟!! ، وصار القلب يترقب غروبه حيث يُقْبَر ...؟؟!! .
لأننا سنكون قد أنهينا رصيدنا من الحياة جوهر *، حتى وإن كنا على قيدها شكلا ومظهر ...
وكأننا نرتدي ( طاقية الإخفاء ) حين صار الجمع عسكر *، فليس الأمر في يدنا ولا يدها ... فالأمر أكبر ، حتى وإن اختفينا ، فذاك سيكون من الحياة ، وليس منها وذاك أخطر *، فهزلها جِدّنا ، وجَهْدُها ضِدُّنا ، وعُنْفُها هدّنا ، ومن أهدافه عدّنا ، وكلما قوينا لضعفنا ردّنا ، وبات يتحكم بنا وكأنه أبونا وجدّنا ، فقد باتت مصيرنا ، والمصير لها حدّنا (والله أكبر ) ، وعلى إنهائها فالله أقدر ...
وبالرغم من كل ذلك ، ولأجل ذلك ، كان لزاما علينا أن نقاومها ، ولها نحارب ، وللبحث عن طرق الخلاص منها أجرينا التجارب ، وبحقنا من الحياة قمنا نطالب ، نبحث عن إيجابياتها ، ونُلقي السالب ، ونأخذ أجرها فبها مكاسب ، ونرجو بُرْءَها وتلك أسمى المطالب ...
وحتى يتحقق لنا ما نريد ، علينا أن نبحث لها عن علاج ، ونرجو لضيقتنا منها انفراج ، وبالتوكل على الله ننير في ظلمتنا بها السراج ، ونقيم بقوتنا عليها أي اعوجاج ، فمن فعل فهو ناج ، حتى وإن كان فيه ارتجاج ...
ورحلة العلاج تلك لا تقتصر على الأدوية التي يصفها الطبيب ، ولا المسكنات التي نتناولها فجرا أو في المغيب ، ولا بالتنقل بين المستشفيات بعيدها قبل القريب ، ولا بالبحث عن الوصفات على سبيل التجريب ، فهو وإن كان مساعدا على إنهائها وبه نطيب ، إلا أنها مجرد وسيلة قد تخطئ وقد تصيب ، وقد تنجح وقد تخيب ، وقد يتحقق لنا بها ما نطلب ، وقد نخسر بسببها حتى يطول بنا النحيب ، ولن يفهم قولي إلا اللبيب ، ولن يدرك معناه إلا الفطن *الأريب ..
وسأضرب مثالا بنفسي على سبيل التقريب ...
فقد غزاني المرض منذ مدة ، فلما استسلمت له أراه استفحل ...
وما زال يفرض نفوذه بداخلي حتى تأصّل ..
ولم يكتفِ بما نال مني ، فها هو بين أضلعي يتنقل ...
ولم يترك لي مساحة مني ، وصار يملكني دون أن يخجل ...
فلم أدع مُجربا ، إلا وعن تجربته كنت أسأل ...
ولم أترك طبيبا إلا ، وقصدته ليتدخل ...
علّه يشفع لي عنده ، وبطريقته لحلّ الأمر يتوصل ...
وربما بمعرفته به ، يقنعه بأن يجمع جيشه ويرحل ...
ويترك لي بقايا جسدي ، لأعيد ترميمه ، وليته يفعل ...
ويغادر بقعتي التي صارت به مثل عاجز بالهمّ مثقل ..
أو مثل عامل للصخر ينقل ...
طرقت كل الأبواب ، فكانت مغلقة أمامي ، وكأن مفاتيحها بجعبتي تتبدل ...
ووحده باب القبر مفتوحا ، ودائي على أعتابه يدفعني لأدخل ...
فلم ينفع هذا ولا ذاك ، ولم أعد أعرف ماذا سأفعل ..
فقدصار دمي في دورته ، كضيق مُنْخل ..
وصار قلبي نبضه ، كصخب مُنْحَل ...
حتى العظام بضعفها كقوس مِنْجَل ..
وتلك بعض جوارحي بالنزف توحل ...
فإلى متى سأطيق صبرا ، فقد تمادى ليس يرحل ...
فجلست مع نفسي ، وحادثتها ، وعلى تخليصها من غزوه عاهدتها ، وبالعمل على هزمه وعدتها ، وبحاجتي لها صارحتها ، وبتحمل قسوتي طالبتها ، ومعها وبها ولها واجهت كل تلك الآلام وحاربتها ، ولم أكن أتوقع الانتصار ، ولكنها حاجة في النفس وأطلقتها ، وطرد للضعف و بطريقتي طبقتها ...
فبدأت رحلتي في العلاج ، ليس طبا فقط ..
فجمعت الحروف ووزعت عليها النقط ..
وحصرت أشلائي ، فما سلم منه التقطت ..
ولبدء حربه تهيأت ، ثم انطلقت ...
ولخطتي في دحره طَبّقت ...
حتى قلبته على نفسه ، *وعليه بداخلي أطبقت ...
فلم أسمح له بالظهور ، إلا بما عن إخفائه عجزت ...
ولم أترك له مسلكا للعبور ، إلا وله بالمسكنات ردمت ..
فواجهته رغم ضعفي ، فأخفته ..
وحاربته وبداخل كهفي ، أخفيته ..
وكلما اعتصرني ألما ، صرخت حتى صرعته ..
فكانت صرختي بوجهه زئيرا به أفزعته ..
وكلما هاجمني بكيت ، حتى شغلته ..
فكان بكائي عطاء ، ضاعفته وبه زرعته ...
فأثمر الألم عن أمل لما حصدته ...
وكان مرضي دافعا لما قبلته ...
وكان علاجي بيدي لما وجدته ...
فكان كلما يقوى ، يجدني منه أقوى حتى حصرته ...
وكلما اقترب ، يجدني عنه أنأى فليتني أضعته ...
ومازال يباغتني وأباغته ، وهذا منهجا على نفسي فرضته ...
وطالما أنه أقسم أن يرافقني ، فقد أقسمت أن أتَسَيَّدَه حتى رَوَّضْتُه ...
فجعلته دوما خلفي ، فإن تقدمني بيوم لطارئ ، أعدته ...
وكلما سبقني ، شحذت همتي ، وملأت وقودي بقوّتي حتى سبقته ...
فلم يعد يرضيني لحاقه ، فقد مللت رفقته ، وهذا ما أدركته * ...
فإن قُدِّر عليَّ أن يكون نصفي ، فقد رضيت إيمانا ، وإن كنت حقيقةً قد رفضته ...
وإن كُتِب عليَّ أن يكون رِدْفِي ، فقد مَضيت إيقانا بأني بلحظة قد نسيته ..
وإن كان الألم يذكرني به مرارا ، إلا أني عنادا ، سأبدو وكأني ما ذكرته ...
فأن يظل قابعا ينهش داخلي ، خير من تشويه صورتي إن أطعته ...
وأن أخفي دمعتي بابتسامتي ، خير من رفع صوتي بالبكاء ، وبذا طعنته ...
فصار دائي وحصاره دوائي ، وذابحي وهو ذبيحي ، وقاتلي وقتيلي ، وآسري وأسيري ، وهذا سرّي معه الذي أخفيته ...
وما بُحْتُ به اليوم إلا لنصح كل مريض ، ولولا حبي لكم ما نشرته ...
فعلاجكم بأيديكم ، هي رحلة تخوضوها مع مرضكم وطريقها لكم أوضحته ...
ومفتاحها بيدكم ، فانطلقوا ، وعون الله وقودكم فيها سيقودكم كما شرحته ...
فليجمع كل شخص ألمه ، وليس ذاك صعبا فقد جمعته *، ويحشره بقلبٍ مؤمنٍ ، فقد ضَعُفَ لما حشرتُه *، ويغلق عليه بعقلٍ مدركٍ ، ليبيده كما أبدته ، ثم يطرحه ببحر الأمل كما طرحته ....
فلم أعد أهتمُّ به إذا ذكرته ... ، ولا أهابه إذا رأيته ...
فإن عاد عُدْنا ، وإن زاد زِدْنا ، ويكفيني يقيني بأن أمر الله نافذ ، ورضانا به إن أتى للشفاء قادنا ، وللأوجاع بالإيمان *قُدْنا ، وعليها ( *بعون الله ) سُدْنا ....
* * ✍️عبدالله الحربي