• ×
الجمعة 22 نوفمبر 2024

رحلة علاج

بواسطة إيمان الحماد 04-16-2024 12:49 مساءً 168 زيارات
كثيرا ما نقع تحت طائلة المرض ، تطول المدة أو تقصر ، تزيد الحِدّة فلا نعد عليه نقدر ، أو تقل فيرحل دون أن نخسر ...
وفي كلا الحالين لا بد نصبر *، ومع كل ألم بالصبر نؤجر ...
ولكن ...
إن رافقنا حتى يتأصل وبالأحشاء يكبر ، وصار بكل قوته للأعضاء يعصر ، وظل مع الأيام بالأجساد ينخر ، هل ستظل قدرتنا عليه تظهر ؟؟!! ، وهل سيظل يتلاعب بنا ، ومن الآلام يسخر ؟؟!! ، *وبزرعها فينا سيفخر ، ومن أنواعها بالكَومِ يُحضر ، وهل سنُحرَم الأجر إن صارت الآلام من الأجسام أكبر ؟؟!! ، وصارت الأحلام كالأوهام تقهر ؟؟!! ، وصار القلب يترقب غروبه حيث يُقْبَر ...؟؟!! .
لأننا سنكون قد أنهينا رصيدنا من الحياة جوهر *، حتى وإن كنا على قيدها شكلا ومظهر ...
وكأننا نرتدي ( طاقية الإخفاء ) حين صار الجمع عسكر *، فليس الأمر في يدنا ولا يدها ... فالأمر أكبر ، حتى وإن اختفينا ، فذاك سيكون من الحياة ، وليس منها وذاك أخطر *، فهزلها جِدّنا ، وجَهْدُها ضِدُّنا ، وعُنْفُها هدّنا ، ومن أهدافه عدّنا ، وكلما قوينا لضعفنا ردّنا ، وبات يتحكم بنا وكأنه أبونا وجدّنا ، فقد باتت مصيرنا ، والمصير لها حدّنا (والله أكبر ) ، وعلى إنهائها فالله أقدر ...

وبالرغم من كل ذلك ، ولأجل ذلك ، كان لزاما علينا أن نقاومها ، ولها نحارب ، وللبحث عن طرق الخلاص منها أجرينا التجارب ، وبحقنا من الحياة قمنا نطالب ، نبحث عن إيجابياتها ، ونُلقي السالب ، ونأخذ أجرها فبها مكاسب ، ونرجو بُرْءَها وتلك أسمى المطالب ...
وحتى يتحقق لنا ما نريد ، علينا أن نبحث لها عن علاج ، ونرجو لضيقتنا منها انفراج ، وبالتوكل على الله ننير في ظلمتنا بها السراج ، ونقيم بقوتنا عليها أي اعوجاج ، فمن فعل فهو ناج ، حتى وإن كان فيه ارتجاج ...

ورحلة العلاج تلك لا تقتصر على الأدوية التي يصفها الطبيب ، ولا المسكنات التي نتناولها فجرا أو في المغيب ، ولا بالتنقل بين المستشفيات بعيدها قبل القريب ، ولا بالبحث عن الوصفات على سبيل التجريب ، فهو وإن كان مساعدا على إنهائها وبه نطيب ، إلا أنها مجرد وسيلة قد تخطئ وقد تصيب ، وقد تنجح وقد تخيب ، وقد يتحقق لنا بها ما نطلب ، وقد نخسر بسببها حتى يطول بنا النحيب ، ولن يفهم قولي إلا اللبيب ، ولن يدرك معناه إلا الفطن *الأريب ..
وسأضرب مثالا بنفسي على سبيل التقريب ...
فقد غزاني المرض منذ مدة ، فلما استسلمت له أراه استفحل ...
وما زال يفرض نفوذه بداخلي حتى تأصّل ..
ولم يكتفِ بما نال مني ، فها هو بين أضلعي يتنقل ...
ولم يترك لي مساحة مني ، وصار يملكني دون أن يخجل ...
فلم أدع مُجربا ، إلا وعن تجربته كنت أسأل ...
ولم أترك طبيبا إلا ، وقصدته ليتدخل ...
علّه يشفع لي عنده ، وبطريقته لحلّ الأمر يتوصل ...
وربما بمعرفته به ، يقنعه بأن يجمع جيشه ويرحل ...
ويترك لي بقايا جسدي ، لأعيد ترميمه ، وليته يفعل ...
ويغادر بقعتي التي صارت به مثل عاجز بالهمّ مثقل ..
أو مثل عامل للصخر ينقل ...
طرقت كل الأبواب ، فكانت مغلقة أمامي ، وكأن مفاتيحها بجعبتي تتبدل ...
ووحده باب القبر مفتوحا ، ودائي على أعتابه يدفعني لأدخل ...
فلم ينفع هذا ولا ذاك ، ولم أعد أعرف ماذا سأفعل ..
فقدصار دمي في دورته ، كضيق مُنْخل ..
وصار قلبي نبضه ، كصخب مُنْحَل ...
حتى العظام بضعفها كقوس مِنْجَل ..
وتلك بعض جوارحي بالنزف توحل ...
فإلى متى سأطيق صبرا ، فقد تمادى ليس يرحل ...
فجلست مع نفسي ، وحادثتها ، وعلى تخليصها من غزوه عاهدتها ، وبالعمل على هزمه وعدتها ، وبحاجتي لها صارحتها ، وبتحمل قسوتي طالبتها ، ومعها وبها ولها واجهت كل تلك الآلام وحاربتها ، ولم أكن أتوقع الانتصار ، ولكنها حاجة في النفس وأطلقتها ، وطرد للضعف و بطريقتي طبقتها ...
فبدأت رحلتي في العلاج ، ليس طبا فقط ..
فجمعت الحروف ووزعت عليها النقط ..
وحصرت أشلائي ، فما سلم منه التقطت ..
ولبدء حربه تهيأت ، ثم انطلقت ...
ولخطتي في دحره طَبّقت ...
حتى قلبته على نفسه ، *وعليه بداخلي أطبقت ...
فلم أسمح له بالظهور ، إلا بما عن إخفائه عجزت ...
ولم أترك له مسلكا للعبور ، إلا وله بالمسكنات ردمت ..
فواجهته رغم ضعفي ، فأخفته ..
وحاربته وبداخل كهفي ، أخفيته ..
وكلما اعتصرني ألما ، صرخت حتى صرعته ..
فكانت صرختي بوجهه زئيرا به أفزعته ..
وكلما هاجمني بكيت ، حتى شغلته ..
فكان بكائي عطاء ، ضاعفته وبه زرعته ...
فأثمر الألم عن أمل لما حصدته ...
وكان مرضي دافعا لما قبلته ...
وكان علاجي بيدي لما وجدته ...
فكان كلما يقوى ، يجدني منه أقوى حتى حصرته ...
وكلما اقترب ، يجدني عنه أنأى فليتني أضعته ...
ومازال يباغتني وأباغته ، وهذا منهجا على نفسي فرضته ...
وطالما أنه أقسم أن يرافقني ، فقد أقسمت أن أتَسَيَّدَه حتى رَوَّضْتُه ...
فجعلته دوما خلفي ، فإن تقدمني بيوم لطارئ ، أعدته ...
وكلما سبقني ، شحذت همتي ، وملأت وقودي بقوّتي حتى سبقته ...
فلم يعد يرضيني لحاقه ، فقد مللت رفقته ، وهذا ما أدركته * ...
فإن قُدِّر عليَّ أن يكون نصفي ، فقد رضيت إيمانا ، وإن كنت حقيقةً قد رفضته ...
وإن كُتِب عليَّ أن يكون رِدْفِي ، فقد مَضيت إيقانا بأني بلحظة قد نسيته ..
وإن كان الألم يذكرني به مرارا ، إلا أني عنادا ، سأبدو وكأني ما ذكرته ...
فأن يظل قابعا ينهش داخلي ، خير من تشويه صورتي إن أطعته ...
وأن أخفي دمعتي بابتسامتي ، خير من رفع صوتي بالبكاء ، وبذا طعنته ...
فصار دائي وحصاره دوائي ، وذابحي وهو ذبيحي ، وقاتلي وقتيلي ، وآسري وأسيري ، وهذا سرّي معه الذي أخفيته ...
وما بُحْتُ به اليوم إلا لنصح كل مريض ، ولولا حبي لكم ما نشرته ...
فعلاجكم بأيديكم ، هي رحلة تخوضوها مع مرضكم وطريقها لكم أوضحته ...
ومفتاحها بيدكم ، فانطلقوا ، وعون الله وقودكم فيها سيقودكم كما شرحته ...
فليجمع كل شخص ألمه ، وليس ذاك صعبا فقد جمعته *، ويحشره بقلبٍ مؤمنٍ ، فقد ضَعُفَ لما حشرتُه *، ويغلق عليه بعقلٍ مدركٍ ، ليبيده كما أبدته ، ثم يطرحه ببحر الأمل كما طرحته ....
فلم أعد أهتمُّ به إذا ذكرته ... ، ولا أهابه إذا رأيته ...
فإن عاد عُدْنا ، وإن زاد زِدْنا ، ويكفيني يقيني بأن أمر الله نافذ ، ورضانا به إن أتى للشفاء قادنا ، وللأوجاع بالإيمان *قُدْنا ، وعليها ( *بعون الله ) سُدْنا ....

جديد المقالات

الإداري الناجح اليوم يجب أن يتمتع بعدة مهارات وخصائص. أولاً : القدرة على التكيف مع التغيرات...

قصيدة بمناسبة اليوم الوطني السعودي من يلمني في هواه أَأُلام بعشقي لترابِه زاد أمني في...

قصيدة بمناسبة اليوم الوطني يا وطني يا تاج العز علا هامي والكل يراه يا وطني أفديك بروحي...

تلعب الإدارة الناجحة دورًا حاسمًا في نمو ونجاح أي منظمة. لأنها تنطوي على مزيج من التواصل الفعال ،...

لم تخلق الجهات الأربع عبثاً؟! إنها إشارة إلى حرية أن يكون لنا خيارات في هذه الوسيعه حين نقف...

الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
  • عبدالله الحربي
    04-18-2024 02:53 صباحاً
    ليس غريباً عليكِ أن تكتبي هكذا مقال ، و أن تتناولي هذه الفكرة المتميزة بنبل هدفها ، ألا و هو النصح للناس بلطف و حرصكِ على منفعتهم ، فالنبلاء فقط هم من يدلّون الناس على طرق الخير ، و يرشدونهم إلى ما يسعدهم ، المقال جميل بلا شكّ و الفكرة سامية ، و أما من حيث الأسلوب فهو سلس فيه استرسال محبّب ، مليء بالمترادفات و التي تنمّ عن غزارة معرفية و ثقافة لافتة ، جعل الله كلماتك تلك في ميزان حسناتك ، و أتمّ شفاءك و كلّلكِ بالعافية و ألبسك رداءها ..كوني بخير ..

    * * ✍️عبدالله الحربي
أكثر