ووالد وما ولد
من أغرب العلاقات ، ومن أقوى الصلات ، ومن أشد الارتباطات ، ومن أعلى المسؤوليات ، والتي إن نجحت ستكون من أجمل الإنجازات ، وأروع النجاحات ، والتي سيبقى أثرها ممتدا للإنسان ، وثمرها نافع له حتى بعد موته ..
هي علاقة الوالد بأولاده ، ومثلهم بناته ..
فقد كان سببا بوجودهم ، وارتبط اسمهم به امتدادا لأبعد جدودهم ، وبهم سيعلو ذكره إن صلحوا ، أو يهووا به لأقاصي الأرض ، إن ساءت ردودهم ، أو تجاوزوا بالحياة حدودهم ..
ولكن ... !!
هل هذا الأمر بخافٍ على من يقرأ ، أو أنه بكافٍ لاحتواء الفكرة كمبدأ ...!؟
وما الجديد الذي يمكن أن أنفع به قرّائي ، إن كانت تلك العلاقة مقصدي ، وأنا غايتي نفعهم ، وذاك بالكتابة دوما مبدئي ...
هل سأخوض في أمر و الجميع يقرّه ويؤكدّه ؟! ، و حتى الجاهل لا ينكره ؟! ، ولن يجرؤ يوما أن يجحده ؟! ، وهل سأرهق قلمي في ترديد كلام بات الكل يحفظه ؟! ، والصغير قبل الكبير يعرفه ؟! ....
فإن كنت سأرغب في خوضه سأبحث عن الجديد فيه لعرضه ، ولن يكون حديثي مجرد تكرار ، كمن يستضيف الشخص بأرضه ... ، ومن يعيب على القلب نبضه ... .
ولذلك ...
أخذت من الموضوع شكله ، ونقلته لغايتي ...
وقست على مضمونه ، وأسقطته على حكايتي ...
وأكدت على جوهره ، ورفعت له رايتي ...
ونسبته إلى شاكله ، مما يفسر مع الكتابة علاقة كل كاتب ، ومن ذاك علاقتي ...
فأنا أرى أن ارتباط الكاتب بكلماته ، كارتباط الأب ببناته ، وعلاقته بنبض مداده ، كعلاقة الشخص بأولاده ... .
والمسؤولية الملقاة على عاتقه ، وواجبه نحو رسالته ، لا تقل عن مسؤولية الرجل نحو أهل بيته و خاصّته ، وواجبه كراعٍ لرعيّته ، فيقوم بها بطريقته ، ووفق طبيعته ، ويؤديها حسب استطاعته ، وفقا لقدرته ، ولن ينكرها أو يتفلت منها فهو معترف بها بسليقته ، ومنجذب نحوها بسريرته ، ويخوض بحره لأجلها ، وبها نراه قبطانا لسفينته ، وقائدا لركبها في رحلته ، وهم معه أيا كانت وجهته ...
وكما أن الأب يفرح بالإنجاب ، نرى الكاتب كذلك عند تأليف كتاب ...
وكما يُسَّر الأب من أبنائه ، ولو بنظرة ، نجد الكاتب يفرح لمجرد فكرة .. .
ولكل ابن مكانته وسحره ، كما كان لكل نص بصمته وأثره .. .
وكما أن الأب هو السبب في جلبهم للحياة ، فهو المسؤول عنهم ، وبقاؤهم مرتبط به ، وصلاحهم عائد إليه ، ونجاحهم يضيف إليه ، وفسادهم مردود عليه ، فهم ذكره وامتداه ، وهم سنده وقوته ، وهم في حياته عدته وعتاده ، ولن تصلحهم قسوته ، ولن ينفعهم عناده ... .
كذاك كان حال القلم مع إنتاجه ، فإن مال النص ، أقام الفكر اعوجاجه ، وإن تزعزع الفكر ، فثبات العقل يزيل ارتجاجه ، فيضيء المبنى بضوء سراجه ، ويفيء المعنى بقوته على الإقناع ، وقبول احتجاجه ..
وبما أن والده ( الكاتب ) راضٍ عنه ، وكان ولده ( النص ) بارٌ به ، قويت العلاقة ، وكانت أقرب إلى الصداقة ، وأصبح لكل حرف به إشراقة ، ولكل ظرف له إطلاقة ، وعَكَسَ لنا طبيعة صاحبه ، وصوّر لنا أخلاقه ، وأظهر لنا فكرته بكل أناقة ، وجسَّد تفكيره بمنطق وحذاقة ، وصارت ظلال المعنى وارفة رقراقة ، وكان لقارئيه مصدرا يمدهم بالطاقة ، وأصبح لروّاده قدرة على تمييز مذاقه ، فالحق فيه لدقته ، واجبٌ إحقاقه ، والصدق فيه لقوته ، ظاهر ميثاقه ، والفرق بين خصومه ازداد ، فصار من الصعب لحاقه ، حتى حاز بين النصوص سباقه ، فلم يظهر به نقصٌ ، ولم تعتريه إعاقة ، فكان فكرا راقيا ، وهو أصل بالعراقة ... .
وعلى العكس منه كل نص واهنٍ وضعيف ، نقرؤه ونشعر وكأن صاحبه كفيف ، ليس ذو فكر حصيف ، وروده المعنى مخيف ، وفهمه المبنى طفيف ، لا يفيد ولا يضيف ، بأرضه حلّ الخريف ، لغرسه ما من ثمار أو حفيف ، وطرح فكرته سخيف ، فَقْدُ الضيافة للمضيف ، وفَقْدُ ردف للرديف ، بالعقل مؤذٍ أو عنيف ، كأنه من ملجئ جلب المعاني للمصيف ، وكأنه وجد الحروف على الرصيف ، فهو التبني للحروف ، وهو التجني بالوصوف ، إن قرأناه نعوف ، فمكانه فوق الرفوف ، وبيته وسط الكهوف ، ستبتعد عنه الصفوف ، إشارة تعني العزوف ، فقد خلت من فوائدها القطوف ، وأرهقت أسماعنا إيقاعها طرق الدفوف ، وأزعجت أفهامنا ، فكلامها ضرب الكفوف ، طال انتظاري حولها ، طال الوقوف ، في شمسها ظهر الكسوف ، في بدرها حل الخسوف ، متصنعة حسب الظروف ، مهجورة مثل الكهوف ....
تلك النصوص عقيمة ، أنَّى تلد ؟؟!
فيها الحروف سقيمة ، حتى تُفِد ..!
من منجبٍ حتى الوليمة ، لم يجد ..
إن تولد الفكرة لجاهل ، كيف منها يستفد ..
بجهله مقتولة ، سرعان ما يأتي يئد ...
فلا يظل لها سند ، ولا البقاء لها يُرِد ، نحو الفناء لها يَقُد ، فكيف للمعنى يرد ، وكيف للقيمة يزد ، فلم يَجِدَّ لكي يجد ... .
وهذا صوتي يرتعد ...
يا معشر الكتاب عودوا ، للفصيح المُتَّقِد ..
يا ذوي الألباب جودوا ، بالمليح وما يُفِد ...
يا بني الأعراب صيدوا حرفكم ، حتى يصيح بما يَصِد ...
ساحٌ فسيح دونكم ، أشعلوا نار القريح بما وَفد ... .
أمّا وإن لم تفعلوا ... .
كنتم جُناة ، والحروف ضحية المعنى الذبيح ..
حال الحفاة ، بلا كسوفٍ ، فوق قرطاس طريح ...
يبكي رفاة بلاغة ، حتى الصروف ، حروفها ثكلى تصيح ...
ترثي الفصاحة ، في نصوص كُسّرت ألفاظها ، وبه تطيح ...
أم اللغات بأرضها ، تبكي الحروف ، بصوتها عَتَبٌ صريح ...
لجاحد لما جحد ، عشق الغريب بلفظه وله يبيح ...
لحاقد لما حقد ، سرق اللبيب ، فعقله قبر ضريح ..
لواعد ينسى الوعد ، حرق العهود ، بحرفه نار تفيح ...
كوالد لما ولد ، أضحى بخيلا ، كفّه جدا شحيح ...
كمارد لما صعد .. ، أفزع الأبصار حتى تنكسر ، نظراً تشيح ..
غمامة إن تنقشع ، عادت الأصوات عذرا تستميح ...
عادت الأرواح حتى تستريح ..
بين حرف ثم حرف صار لفظا بالهجاء أو المديح ...
ذاك لفظ تلو لفظ ، ثم أضحى فكرة بصفائها ، تشفي الجريح ..
عادت الأفكار تقوى ، عادت الأشعار أنقى ، لفظنا بالفخر يبقى ، مثل طفل نادر مثل المسيح ...
صراحة أشدوا بها ...
تحلو لذي العقل الرجيح ..
تهفو لأصداء الفصيح ..
تحنو بأصوات القريح ...
ذاك الوليد إذا وُجِد ، فكل قوته يبيح ..
فالحرف مثل السيف ، للعدو غدا يطيح ...
وفي النهاية ...
لا يصح سوى الصحيح ...
هي علاقة الوالد بأولاده ، ومثلهم بناته ..
فقد كان سببا بوجودهم ، وارتبط اسمهم به امتدادا لأبعد جدودهم ، وبهم سيعلو ذكره إن صلحوا ، أو يهووا به لأقاصي الأرض ، إن ساءت ردودهم ، أو تجاوزوا بالحياة حدودهم ..
ولكن ... !!
هل هذا الأمر بخافٍ على من يقرأ ، أو أنه بكافٍ لاحتواء الفكرة كمبدأ ...!؟
وما الجديد الذي يمكن أن أنفع به قرّائي ، إن كانت تلك العلاقة مقصدي ، وأنا غايتي نفعهم ، وذاك بالكتابة دوما مبدئي ...
هل سأخوض في أمر و الجميع يقرّه ويؤكدّه ؟! ، و حتى الجاهل لا ينكره ؟! ، ولن يجرؤ يوما أن يجحده ؟! ، وهل سأرهق قلمي في ترديد كلام بات الكل يحفظه ؟! ، والصغير قبل الكبير يعرفه ؟! ....
فإن كنت سأرغب في خوضه سأبحث عن الجديد فيه لعرضه ، ولن يكون حديثي مجرد تكرار ، كمن يستضيف الشخص بأرضه ... ، ومن يعيب على القلب نبضه ... .
ولذلك ...
أخذت من الموضوع شكله ، ونقلته لغايتي ...
وقست على مضمونه ، وأسقطته على حكايتي ...
وأكدت على جوهره ، ورفعت له رايتي ...
ونسبته إلى شاكله ، مما يفسر مع الكتابة علاقة كل كاتب ، ومن ذاك علاقتي ...
فأنا أرى أن ارتباط الكاتب بكلماته ، كارتباط الأب ببناته ، وعلاقته بنبض مداده ، كعلاقة الشخص بأولاده ... .
والمسؤولية الملقاة على عاتقه ، وواجبه نحو رسالته ، لا تقل عن مسؤولية الرجل نحو أهل بيته و خاصّته ، وواجبه كراعٍ لرعيّته ، فيقوم بها بطريقته ، ووفق طبيعته ، ويؤديها حسب استطاعته ، وفقا لقدرته ، ولن ينكرها أو يتفلت منها فهو معترف بها بسليقته ، ومنجذب نحوها بسريرته ، ويخوض بحره لأجلها ، وبها نراه قبطانا لسفينته ، وقائدا لركبها في رحلته ، وهم معه أيا كانت وجهته ...
وكما أن الأب يفرح بالإنجاب ، نرى الكاتب كذلك عند تأليف كتاب ...
وكما يُسَّر الأب من أبنائه ، ولو بنظرة ، نجد الكاتب يفرح لمجرد فكرة .. .
ولكل ابن مكانته وسحره ، كما كان لكل نص بصمته وأثره .. .
وكما أن الأب هو السبب في جلبهم للحياة ، فهو المسؤول عنهم ، وبقاؤهم مرتبط به ، وصلاحهم عائد إليه ، ونجاحهم يضيف إليه ، وفسادهم مردود عليه ، فهم ذكره وامتداه ، وهم سنده وقوته ، وهم في حياته عدته وعتاده ، ولن تصلحهم قسوته ، ولن ينفعهم عناده ... .
كذاك كان حال القلم مع إنتاجه ، فإن مال النص ، أقام الفكر اعوجاجه ، وإن تزعزع الفكر ، فثبات العقل يزيل ارتجاجه ، فيضيء المبنى بضوء سراجه ، ويفيء المعنى بقوته على الإقناع ، وقبول احتجاجه ..
وبما أن والده ( الكاتب ) راضٍ عنه ، وكان ولده ( النص ) بارٌ به ، قويت العلاقة ، وكانت أقرب إلى الصداقة ، وأصبح لكل حرف به إشراقة ، ولكل ظرف له إطلاقة ، وعَكَسَ لنا طبيعة صاحبه ، وصوّر لنا أخلاقه ، وأظهر لنا فكرته بكل أناقة ، وجسَّد تفكيره بمنطق وحذاقة ، وصارت ظلال المعنى وارفة رقراقة ، وكان لقارئيه مصدرا يمدهم بالطاقة ، وأصبح لروّاده قدرة على تمييز مذاقه ، فالحق فيه لدقته ، واجبٌ إحقاقه ، والصدق فيه لقوته ، ظاهر ميثاقه ، والفرق بين خصومه ازداد ، فصار من الصعب لحاقه ، حتى حاز بين النصوص سباقه ، فلم يظهر به نقصٌ ، ولم تعتريه إعاقة ، فكان فكرا راقيا ، وهو أصل بالعراقة ... .
وعلى العكس منه كل نص واهنٍ وضعيف ، نقرؤه ونشعر وكأن صاحبه كفيف ، ليس ذو فكر حصيف ، وروده المعنى مخيف ، وفهمه المبنى طفيف ، لا يفيد ولا يضيف ، بأرضه حلّ الخريف ، لغرسه ما من ثمار أو حفيف ، وطرح فكرته سخيف ، فَقْدُ الضيافة للمضيف ، وفَقْدُ ردف للرديف ، بالعقل مؤذٍ أو عنيف ، كأنه من ملجئ جلب المعاني للمصيف ، وكأنه وجد الحروف على الرصيف ، فهو التبني للحروف ، وهو التجني بالوصوف ، إن قرأناه نعوف ، فمكانه فوق الرفوف ، وبيته وسط الكهوف ، ستبتعد عنه الصفوف ، إشارة تعني العزوف ، فقد خلت من فوائدها القطوف ، وأرهقت أسماعنا إيقاعها طرق الدفوف ، وأزعجت أفهامنا ، فكلامها ضرب الكفوف ، طال انتظاري حولها ، طال الوقوف ، في شمسها ظهر الكسوف ، في بدرها حل الخسوف ، متصنعة حسب الظروف ، مهجورة مثل الكهوف ....
تلك النصوص عقيمة ، أنَّى تلد ؟؟!
فيها الحروف سقيمة ، حتى تُفِد ..!
من منجبٍ حتى الوليمة ، لم يجد ..
إن تولد الفكرة لجاهل ، كيف منها يستفد ..
بجهله مقتولة ، سرعان ما يأتي يئد ...
فلا يظل لها سند ، ولا البقاء لها يُرِد ، نحو الفناء لها يَقُد ، فكيف للمعنى يرد ، وكيف للقيمة يزد ، فلم يَجِدَّ لكي يجد ... .
وهذا صوتي يرتعد ...
يا معشر الكتاب عودوا ، للفصيح المُتَّقِد ..
يا ذوي الألباب جودوا ، بالمليح وما يُفِد ...
يا بني الأعراب صيدوا حرفكم ، حتى يصيح بما يَصِد ...
ساحٌ فسيح دونكم ، أشعلوا نار القريح بما وَفد ... .
أمّا وإن لم تفعلوا ... .
كنتم جُناة ، والحروف ضحية المعنى الذبيح ..
حال الحفاة ، بلا كسوفٍ ، فوق قرطاس طريح ...
يبكي رفاة بلاغة ، حتى الصروف ، حروفها ثكلى تصيح ...
ترثي الفصاحة ، في نصوص كُسّرت ألفاظها ، وبه تطيح ...
أم اللغات بأرضها ، تبكي الحروف ، بصوتها عَتَبٌ صريح ...
لجاحد لما جحد ، عشق الغريب بلفظه وله يبيح ...
لحاقد لما حقد ، سرق اللبيب ، فعقله قبر ضريح ..
لواعد ينسى الوعد ، حرق العهود ، بحرفه نار تفيح ...
كوالد لما ولد ، أضحى بخيلا ، كفّه جدا شحيح ...
كمارد لما صعد .. ، أفزع الأبصار حتى تنكسر ، نظراً تشيح ..
غمامة إن تنقشع ، عادت الأصوات عذرا تستميح ...
عادت الأرواح حتى تستريح ..
بين حرف ثم حرف صار لفظا بالهجاء أو المديح ...
ذاك لفظ تلو لفظ ، ثم أضحى فكرة بصفائها ، تشفي الجريح ..
عادت الأفكار تقوى ، عادت الأشعار أنقى ، لفظنا بالفخر يبقى ، مثل طفل نادر مثل المسيح ...
صراحة أشدوا بها ...
تحلو لذي العقل الرجيح ..
تهفو لأصداء الفصيح ..
تحنو بأصوات القريح ...
ذاك الوليد إذا وُجِد ، فكل قوته يبيح ..
فالحرف مثل السيف ، للعدو غدا يطيح ...
وفي النهاية ...
لا يصح سوى الصحيح ...