• ×
الأحد 24 نوفمبر 2024

" وإذا مرضت فهو يشفين "

بواسطة إيمان الحماد 11-25-2023 05:25 صباحاً 76 زيارات
يحتاج المرء بين فترة وأخرى لأن يريح أعصابه من ضغوطات الحياة ، ويبحث عن طرق يخفف عن نفسه نتوءات المعاناة ، ويغسل ثيابه من غبار المواجهات بالدمع إن لم يجد المياه ، ويمسح على قلبه من رضوض الإصابات برفق وأناة ، ويهدهد جسده بالتوقعات التي يرجوها مناه ، ويطبطب على صدره بكلمات لا تنطقها الشفاة ...

فيتجول في الأرجاء ، باحثاً عن مخارج توفر له ما رجاه ، وتحقق ما تمناه .. .
وقد تكون تلك مخارجاً من الشقاء ، ومداخلاً حيث الهناء ، وقد تنقله تلك اللحظات من قاع الكبت إلى كبد السماء ، ومن ضيق الهم إلى اتساع الفضاء ، ومن ضغط الحزن وانفجار البكاء ، إلى فيض المزن وانفراج العناء ، ومن سخط و صراخ ، إلى ترنم وغناء ... .
وحتى يحصل على هذا الجزاء ، عليه أن يدلي الدلاء ، وبملئها يرجو ارتواء ...

فهناك من يلجأ للحدائق ، وينتقي منها روضاً ، فيلقي بجسده على مروجه ، ويستقي من الزهر أريجه ، ومن الهواء ما يشعل أجيجه ، ويُسْكِت من ترانيمه ضجيجه ، فيعود سالما وقد أزاح همه ، وأعلن تفريجه ، وأزال صوت بكائه ببعض أهازيجه ، ونال راحة وهدوءاً وما أجمل مزيجه ، فتجدد نشاطه وما أروعها من نتيجة .. .

وهناك من يقصد البحر ليتحدث مع أمواجه ، فيشكو لها من دربه واعوجاجه ، والذي أعاده بخيبةٍ أدراجه ، أو دائه الذي صعب علاجه ، أو زرعه الذي ضاع خراجه ، أو ماله الذي أبخسه حراجه ، أو ظروفه التي تتعمد إحراجه ، فلم تأتِ حسب مزاجه ، فأُغلِقَت الأبواب بوجهه ، وكأن مفتاحها تاه عن مزلاجه ، فلم يستطع رغم مهاراته إيلاجه ، فأصبح موصداً بحكم رتاجه ، فزاد همه وما لاح في الأفق ضوء انفراجه ، فكأن ضوءها لا يريد سراجه ، فصار كالراعي الذي أضاع نعاجه ، والمصباح الذي تهشم زجاجه ، والنسيم الذي تبدد في عجاجه ، والبناء الذي تهدم سياجه ، والعريس الذي مات قبل زواجه ، ليس مقتولاً ليعرف من يواجه ، ولا مغدوراً ليجد من يجابه ، فهو القضاء وذاك منهاجه ...
وهاهي الأمواج تتتبع خطاه ، وتسمع شكواه ، لتردد صداه ، وتعرض فحواه ، لتخرج بلواه ، فهو يحكي ، والأمواج تسمع ، وهو يسرع وهدير الماء أسرع ، فيبتسم بعد أن كان بالبكاء يشرع ، ويلتئم جرحاً كان فيه قد اتسع ، وعاد فرحاً فهو للحزن وضع ، كانت زيارة للعلاج ، وهو حقا قد نفع ، وما زال في البحر لغيره متسع ، لكل مهموم جمع ، ومَن مِن العثرة وقع ، ومَن مِن الصحب انخدع ، ومَن لفقرٍ ما شبع ، ومِن علاج ما نفع ، ومِن غريب ما رجع ، فاحتواهم جميعاُ وكان مثل المنتجع ...
تشعر وكأن أمواجه تهيأت لاستقبالك ، تصمت تارة لتسمع كلامك ، وتثور أخرى لعتابك ، ثم تتهادى نحوك لاحتوائك ، وبنسماتها تمحو بلاءك ، وبهوائها تنعش أنفاسك ، كأصحابك وأقرب أُنَاسِك ، وبألحانها تغسل قلبك ، وتجبر كسرك ، وتجمع شملك ، وتلم شتاتك ، وتضم رفاتك ، وتنهي رقادك ، وتعيد لك أسلابك ، فرحا وراحة لم تقف دهرا ببابك ، فتعود بحال غير الذي جئتها به ، وكأنها بدلت لك ثيابك ، وكشفت عنك نقابك ، فعالجتك دون أن تطيل عتابك ، وأرجعتك وقد أنهت عذابك ، وأصلحتك على نفسك دون عقابها وعقابك ، فهي الرحلة التي أعطتك جوابك ، وجعلت السعادة في ركابك ، فأصبحت رحاب الابتسام رحابك ، وتغلبت حقيقتك على سرابك .. .
وكأن كثرة البحار على الأرض ؛ لحكمة أرادها الخالق ، فهي الملاذ للمهمومين من الخلائق ، وهم كُثْر ، فكثرت البحار لتحتويهم ، وفاضت وكأنها ارتوت من مآقيهم ، وصدحت أمواجها وكأنها تردد أغانيهم ، أو تعدد شكاويهم ، وهاجت أعاصيرا لتداويهم ، فامتدت لتعطيهم ، وعادت جَزْرا لتحميهم ، ففي كل بحر روايات تزاحم قاعه ، وعلى كل شاطئ حكايات تقصد إمتاعه ، ومواقف تحاول إقناعه ، فإن فعلت وحقق لحلمه إشباعه ، نراه يخفض شراعه ، ويجمع متاعه ، وينادي أتباعه ، وتعود له الوداعة ، وقد مرّت اللحظات سراعاً ، ومن فرحه بدت وكأن الأيام ساعة ، فقد تخلص من حزنه وكأنه باعه ، وأنقذ نفسه من همها وأنهى معها صراعه ، وتزداد سعادته إن رافق تلك اللحظات عبادة وطاعة ، ولم تكن على حساب صَلاتِه وصِلاتِه ، فيسقط من فوهة البئر لقاعه ، ويتضاعف فرحه إن لم يرتكب فيها بذاءة ، ولم يصدر عنه بشاعة ، فيرى بالمكان الضيق وساعة ، وتلك حقيقة ليست إشاعة ، وتنتهي الرحلة بانتهاء أوجاعه ، برقي ليس فيه وضاعة ، بفن ومهارة وبراعة ، عادت له جميل طباعه ، وعاد وكأن الحزن نسيه وفي خضم البحر أضاعه ، وتلك ميزة معروفة عن البحر مُذاعة ، أنه ملجأ المهمومين ، وملاذ المحزونين كالحصن زاد مناعة ، ومن قصده كان واثقاً بأنه سيقضي مع الحزن نزاعه ، وسيقتل في صدره وسواس شيطانه وضباعه ، فإن كان الطب صناعة ، فكل نفس متعبة بطبيبها طماعة ، فتقصد بحرها بشجاعة ، باختلاف الشكوى ، يحتوي أنواعه ، ويشمر الموج لقاصِدِيه ذراعه ، ويصف هديره الدواء في أسماعه ، ويعرض العلاج فلا تطيق دفاعه ، فموجه لخلاصك ظاهر في اندفاعه ، وصوته من خِلالك بادياً في ارتفاعه ، ومدّه أو جَزْره أياً تكن أوضاعه ، تترك رقيق نسيمها يمسح جروح نخاعه ، حتى يلوح بريق الأمل ويَشّع ضوء شعاعه ... .
فهل هناك طبيب أفضل من الطبيعة ، هيأها الخالق لتحتوي مرضاها ... .
وهل هناك مجيب أسرع في الوسيعة ، لمن سأل الإله ، بأمره ناداها ...
وهل هناك غريب ظل غريباً ، وقد أتاه راغباً يرجوه برءاً ، فأعطاه بعض دواها ..
هو الخالق ، وقد جعل الطبيعة ، في الطليعة ، اسمها يتصدر القائمة ، وتكاليف العلاج على من براها ، فلن تضيع وقد قصدته ، ولن تذل وقد رجوته ، ولن تخيب وقد طلبته ...
فسبحان من أوجد الشقاء، ورزقنا سبل الراحة ، ومن أحلّ الداء ، وأراحنا منه بأن فتح لنا المساحة ، فكلنا على أرضه وتحت جناحه ، نتأمل في خلقه ، فهو للمؤمن سلاحُه ، ولكل باب مغلق مفتاحُه ، ولكل صدر مطبق فيه الإزاحة ، فكان هو الطبيب ، وهذا هو العلاج بكل وضوح وبمنتهى الصراحة ، فداء العبد شقاؤه ، ودواء الذاكر فلاحه ، وشفاء المؤمن صلاحه ... .
فذاك هو الباب ، ودونكم مفتاحه ... .

جديد المقالات

الإداري الناجح اليوم يجب أن يتمتع بعدة مهارات وخصائص. أولاً : القدرة على التكيف مع التغيرات...

قصيدة بمناسبة اليوم الوطني السعودي من يلمني في هواه أَأُلام بعشقي لترابِه زاد أمني في...

قصيدة بمناسبة اليوم الوطني يا وطني يا تاج العز علا هامي والكل يراه يا وطني أفديك بروحي...

تلعب الإدارة الناجحة دورًا حاسمًا في نمو ونجاح أي منظمة. لأنها تنطوي على مزيج من التواصل الفعال ،...

لم تخلق الجهات الأربع عبثاً؟! إنها إشارة إلى حرية أن يكون لنا خيارات في هذه الوسيعه حين نقف...

أكثر