ذكرى عطر
فوزية الشيخي - صوت المدينة
من كان يظن أن سنوات الاشتياق والحنين تذوب في لحظة بفعل رائحة!
للعطر ذكريات ومواسم في قلوبنا روائح راحلين افتقدناهم. رشة عطر قد تذهب بخيالنا إلى البعيد، إلى أزمان مضت تنقلك تلك الرائحة إلى ما وراء النسيان
فهذا العطر يستدعي ذكريات الماضي بدون استئذان، يقتحم روحك دون مقدمات. العطر هو بطاقة هوية لأزمنة وأمكنة وبشر عبروا خلالنا وظلوا عالقين في خبايا الذاكرة.
قبل عدة سنوات كنت أقتني عطراً كان هو المفضل لدي وكنت أحبه وأفضله للغاية. اشتمت صديقتي الراحلة ذاك العطر فأعجبت به جداً وأحبته، لدرجة أنها كانت تستأذنني لفتح حقيبتي فقط لترش منه القليل في الهواء. وعندما رأيت أنها أحبت ذلك العطر وتعلقت به، ذهبت وأحضرته لها كهدية. كم كانت فرحتها لا توصف عندما اكتشفت أن الهدية عبارة عن ذلك العطر الذي أحبته.
أخبرتني أنها لن تستخدمه لنفسها وإنما فقط ترغب برشه لتستمتع برائحته الجميلة لا غير، أردفت قائلة: لم أحبه بأحد آخر لكنها أحببته بي أنا فقط.
في أحد الأيام اتصلت بي تخبرني بأن زجاجة العطر تلك وقعت من يدها وانكسرت وتناثرت قطرات العطر بكامل الغرفة.
حزنت لذلك فطلبت منها أن لا تحزن وأنني سأحضر لها آخر، فرفضت رفضا قاطعاً ذلك العرض وقالت: سأكتفي بانتشار الرائحة التي أصبحت تعبق وتعم المكان برمته.
بعدها بوقت قصير مرضت صديقتي تلك مرضاً شديداً. وتوفيت على إثره وانتقلت إلى جوار ربها.
من بعدها لم أستطع أن أستخدم ذلك العطر مرة أخرى؛ فذاك العطر كان حاضراً مع تلك الذكريات. رائحة ذلك العطر كانت كفيله بأن تعيد لي جزء من شريط ذكرياتي معها، والذكريات القديمة بيننا جعلتني أستحضر كل المواقف.
ومع رحيلها قمت بتغيير ذلك العطر ظناً مني أن الذكريات سترحل لكن ذلك لم يحدث، وخاصة عندما أذهب لمتاجر العطور وأرى ذاك العطر يقبع على أحد الأرفف، لحظتها أشعر أن متاجر العطور تلك قد تمثل لنا متاجر للذكريات، وأتيقن حينها أن كل الذكريات عابرة إلا ذكرى رائحة العطر، وأن مهما تراكمت ذكرياتنا على رفوف يعلوها غبار الأيام، لن تتلاشى ولن ينطفئ شعاعها. تلك الذكريات شكلت لدي بعداً مشاعرياً لم أستطع أن أبقيها على رفوف النسيان.
أرى الكثير من الصور من تلك الفترة تتراءى أمام ناظري. إنها ذكرياتي التي أحيتها رائحة عطر.
من كان يظن أن سنوات الاشتياق والحنين تذوب في لحظة بفعل رائحة!
للعطر ذكريات ومواسم في قلوبنا روائح راحلين افتقدناهم. رشة عطر قد تذهب بخيالنا إلى البعيد، إلى أزمان مضت تنقلك تلك الرائحة إلى ما وراء النسيان
فهذا العطر يستدعي ذكريات الماضي بدون استئذان، يقتحم روحك دون مقدمات. العطر هو بطاقة هوية لأزمنة وأمكنة وبشر عبروا خلالنا وظلوا عالقين في خبايا الذاكرة.
قبل عدة سنوات كنت أقتني عطراً كان هو المفضل لدي وكنت أحبه وأفضله للغاية. اشتمت صديقتي الراحلة ذاك العطر فأعجبت به جداً وأحبته، لدرجة أنها كانت تستأذنني لفتح حقيبتي فقط لترش منه القليل في الهواء. وعندما رأيت أنها أحبت ذلك العطر وتعلقت به، ذهبت وأحضرته لها كهدية. كم كانت فرحتها لا توصف عندما اكتشفت أن الهدية عبارة عن ذلك العطر الذي أحبته.
أخبرتني أنها لن تستخدمه لنفسها وإنما فقط ترغب برشه لتستمتع برائحته الجميلة لا غير، أردفت قائلة: لم أحبه بأحد آخر لكنها أحببته بي أنا فقط.
في أحد الأيام اتصلت بي تخبرني بأن زجاجة العطر تلك وقعت من يدها وانكسرت وتناثرت قطرات العطر بكامل الغرفة.
حزنت لذلك فطلبت منها أن لا تحزن وأنني سأحضر لها آخر، فرفضت رفضا قاطعاً ذلك العرض وقالت: سأكتفي بانتشار الرائحة التي أصبحت تعبق وتعم المكان برمته.
بعدها بوقت قصير مرضت صديقتي تلك مرضاً شديداً. وتوفيت على إثره وانتقلت إلى جوار ربها.
من بعدها لم أستطع أن أستخدم ذلك العطر مرة أخرى؛ فذاك العطر كان حاضراً مع تلك الذكريات. رائحة ذلك العطر كانت كفيله بأن تعيد لي جزء من شريط ذكرياتي معها، والذكريات القديمة بيننا جعلتني أستحضر كل المواقف.
ومع رحيلها قمت بتغيير ذلك العطر ظناً مني أن الذكريات سترحل لكن ذلك لم يحدث، وخاصة عندما أذهب لمتاجر العطور وأرى ذاك العطر يقبع على أحد الأرفف، لحظتها أشعر أن متاجر العطور تلك قد تمثل لنا متاجر للذكريات، وأتيقن حينها أن كل الذكريات عابرة إلا ذكرى رائحة العطر، وأن مهما تراكمت ذكرياتنا على رفوف يعلوها غبار الأيام، لن تتلاشى ولن ينطفئ شعاعها. تلك الذكريات شكلت لدي بعداً مشاعرياً لم أستطع أن أبقيها على رفوف النسيان.
أرى الكثير من الصور من تلك الفترة تتراءى أمام ناظري. إنها ذكرياتي التي أحيتها رائحة عطر.
حركتي به مشاعرنا وأثرتي به شجوننا وتواترت ذكريات السنين تزيدنا اشواقا وحنينا
وكأننا نجد ريحهم وكأنهم بيننا
رحم الله الراحلين عنا رحمة واسعة وجبر كسر قلوبنا وجمعنا بهم في جنات النعم
كم أحب حروفك استاذة فوزية عندما تسترسلين في صياغتها بأحساس صادق تصلين به
الى اقصى زاوية في أعماقنا