• ×
الجمعة 22 نوفمبر 2024

عبق الحنين

بواسطة الكاتبة : فوزية الشيخي 05-16-2020 10:09 مساءً 499 زيارات
صوت المدينة - فوزية الشيخي



أحيانًا يغزونا الحنين بجبروته الذي لا يرحم، وينفض ذاكرتنا التي توسّعت من كثرة الأحداث والتفاصيل الحياتية، باحثًا عن الماضي المكتنز في أغوار تلك الذاكرة التي تمطر فجأة في وقت غير محدد.

انه الحنين الذي يدفعني للشوق لماضٍ تولَّى، ذلك الشوق الذي يعتصر قلبي كلّما تذكرت حلاوة الأحداث التي كانت في الماضي والتي عايشتها بكل تفاصيلها الجميلة، رأيت بتلك اللحظات فلمًا سينمائيًا قديمًا يبث أمامي.

تبادر لي أنني أرى وجه والدي وهو يوقظنا فجرًا أنا وإخوتي لأداء صلاة الفجر، ونحن غارقين في سباتٍ عميق في تلك الحجرة غير المقسمة والتي لا تكاد تسعنا، وكأننا نسمع صوت والدي ذاك جزءٌ من حلم لا نفيق منه، إلا عندما نشعر ببرودة بعض قطرات من الماء تغرق وجوهنا النائمة، وكان والدي هو من رش علينا الماء بغرض أن يوقظنا من سباتنا ذاك، نستيقظ بعدها فزعين، منّا من ينهض ومنّا من ينتظر خروج والدي للمسجد ليعود لإكمال نومه.

اشتقت لبساطتنا والمتمثّلة في رائحة طبق الفول الذي كانت تعدّه والدتي الراحلة للفطور، ناهيك عن رائحة الفول بل أيضًا طعمه اللذيذ الذي لا يشبعنا مهما أكلنا منه.

اشتقت لأيام مشينا على أقدامنا إلى مدرستي، ووالدتي عندما كانت توصلني أنا وشقيقتي إلى المدرسة، حاملة لنا حقائبنا نمشي خلفها سالكين أزقة الحارات القديمة الضيقة في الصباح الباكر وقاطعين مسافات تطول تارة وتقصر تارة.

اشتقت للجلسة بفناء منزلنا القديم على ذاك البساط العتيق، الذي تتدلّى خيوطه التالفة بفعل حرارة الشمس، ولكنه كان يجمع أحلى تجمّع عائلي، والدي والدتي أخي وأخواتي، كان اجتماع العائلة اليومي بعد سويعات الغروب، كنا نجتمع على أطباق والدتي اللذيذة التي كانت تعدّها بنفسها، كانت من أطيب الأطباق على الرغم من بساطتها. وكان يحلو السمر عندما نخرج ذلك التلفاز المتهالك، ونضعه على أحد صناديق الفاكهة التي كان يحظرها والدي للمنزل، ونلتف حوله أنا وأخواتي لمشاهدة فلم السهرة، كم هو جميل تلاحم العائلة في ذلك الوقت.

اشتقت لصوت والدتي القابع في أذني وهي تناديني وقت العصاري، بينما كانت تجلس خلف مكينة الخياطة لتخيط بعض أثواب جاراتها؛ لتطلب مني أن أدخل لها خيط البكرة في إبرة المكينة لأنها لم تتمكن من ذلك لضعف بصرها.

اشتقت لأيام الدفء والبراءة، اشتقت لرقصنا البريء أنا وشقيقتي على أنغام صوت الأرض طلال مداح، وأغنية خمسة وعشرين عام ضاعت وسط الزحام بواسطة ذلك المسجل المكسور.

اشتقت لضحكاتنا العالية، اشتقت لمناوشاتنا أنا وأخي المستمرة التي كانت دائما ما تنتهي بعلقة ساخنة منه، يبقى أثرها على مدى أيام وأحيانًا لأسابيع ولكني لا أتوب وأعود مرة أخرى لمشاكسته، انها الشقاوة المفهومة بيننا.

اشتقت لكتاب ألف ليلة وليلة ذا الأوراق المنزوعة الذي كنت أقرأه بنهم بالغ، والذي كانت شقيقتي تريده وأنا أخفيه خشية أن تأخذه قبل أن أُنهي قراءته.

انه الحنين لأيامٍ لن تعود، والألفة التي كانت تحيطنا داخل منزلنا، انه نقاء الماضي والذي لم يكن به زيف ولا كذب ولا خداع، كانت القلوب تزهر بكل جميل والأرواح تفيض بكل ما هو مبهج.

انه الشوق الذي يعتصر قلبي كلّما لاحت أطياف الماضي أمامي. كم هي جميلةٌ أيام الطفولة بذكرياتِها السعيدة، كم أحنُّ إلى الماضي، وأتمنَّى من أعماقِ قلبي لو يعود، كم وكم اشتاق لمقر النشأة ومرتع الصبا.

يقول الروائي الفرنسي ميلان كونديرا: "الحنين هو عبارة عن معاناة سببها تذكر سنوات الماضي برغبة وحب شديدين."


خلاصة القول: إن الماضي جميل وله طابع مختلف ولكنه انتهى!

جديد المقالات

الإداري الناجح اليوم يجب أن يتمتع بعدة مهارات وخصائص. أولاً : القدرة على التكيف مع التغيرات...

قصيدة بمناسبة اليوم الوطني السعودي من يلمني في هواه أَأُلام بعشقي لترابِه زاد أمني في...

قصيدة بمناسبة اليوم الوطني يا وطني يا تاج العز علا هامي والكل يراه يا وطني أفديك بروحي...

تلعب الإدارة الناجحة دورًا حاسمًا في نمو ونجاح أي منظمة. لأنها تنطوي على مزيج من التواصل الفعال ،...

لم تخلق الجهات الأربع عبثاً؟! إنها إشارة إلى حرية أن يكون لنا خيارات في هذه الوسيعه حين نقف...

أكثر