قبس من نور نخيل المدينة المنوّرة
9اكتوبر2019
صوت المدينة - المولدي الهمامـي
في كل مرة يزور فيها أخي وصديقي الإعلامي الكبير سعد الجريس " أبو عمر " تونس في إطار عمله كان يسألني عمّا كنت أريد شيئا محددا من بلاد الحرمين الشريفين وكنت أجيبه في كل مرّة أن زيارته إلينا تغني عن كل الهدايا ومع ذلك كان لا يدخل بيتي أو أقابله إلا ومعه ما يتناسب مع ذوقه الرفيع وكرمه، ويحرص دائما أن تكون من بين هدياه علبة من تمر المدينة المنوّرة..
وكنّا في البيت ولا نزال نعتبر ذلك من أثمن الهدايا ونحرص على أن تبقى العلبة لفترة كما هي تيمّنا وتبرّكا بالتربة التي حوت شجرتها والتي تشعّ نورا من خطى خير الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام، ثم لا أبخل على العائلة الموسّعة بشئ من ذلك التمر الذي يرى فيه كل شخص غاية خاصّة به هي من نبع صفاء النيّة وبراءتها من الشوائب.
فمنه من يعتبر حبّة التمر بلسما لسقمه ومنهم من يرى في نواتها جلبا للحظ والرزق فيضعها في حافظة نقوده ومنهم من من يعتبرها جالبة للبركة في البيت، ومن لطف الله ورحمته أن تنزل روح إيجابيّة على الجميع وتذهب بكل واحد منّا أحلام اليقظة إلى منازل إيمانيّة تلقائية وعميقة في صدقها لا يعلمها إلا الخالق الباري لأنه الوحيد الذي يعلم ما في الصدور...
وهذه المشاعر التي قد تبدو عند البعض غريبة ومبالغ فيها إلا أنّنا في تونس بالأخص فإن كل ما يأتي به الحاج أو المعتمر عند عودته من مكة المكرمة والمدينة المنوّرة له وقع روحاني خاص مثل البخور واللبان والمسبحات أما ماء بئر زمزم فإنّه يوزّع على المهنئين في كؤوس صغيرة ويعتبر لحظة خاصّة يسافر فيها الخيال إلى مكّة المكرّمة والطواف والسعي...
وترى الواحد منّا قبل شرب ذلك القليل من ماء زمزم يتمتم بالدعاء إلى الله عز وجل وهو على يقين أن الخالق سيكرمه بالإستجابة.
وفي المرّة قبل الأخيرة التي زارني فيها صديقي سعد الجريس كانت المفاجأة إذ ذهب مباشرة إلى الفناء الخلفي للبيت وفي ركن من الحديقة الصغيرة وبعد البسملة غرس نواتي تمر من تمور المدينة المنوّرة، وقد انتابني لحظتها شعور غريب تداخلت فيه الكثير من الأحاسيس واستحضرت في تلك اللحظة مسجد النبي الأكرم وقبره وروضته الشريفة و ساحات المدينة المنوّرة ومساجدها وقبابها وجموع المصلّين والآذان الصاعد إلى عنان السماوات ثم غابات نخيلها وأسواقها ودورها وجبالها وسهولها ووديانها ، فكأنّي أصبحت في مكان تفوح منه طيب الروائح والعطور وشذاها السابح مع نسمات هواء منعش لعشيّة خريف تونسي، ثم همس لي أن اسقيها ببعض الماء وعندما تكبر قليلا عليّ أن أغير مكانها في ركن أوسع وأن أنزع بلطف بقايا النواة حتى تجود الباسقات بثمارها وإلا ستكون مع مرّ الأيام نخلة للزينة فقط..
لم أكن أعلم مدّة الزمن قبل أن تبرز النبتة في مراحلها الأولى وظننت بفعل جهلى للمسألة أن الأمر لن يتجاوز الأسابيع القليلة، وعاد صديقى إلى أهله ومرّت الأشهر وكان دائم السؤال عن مصير النواتين، أما أنا فكان لا يمرّ أسبوع إلا وألقي أكثر من نظرة على الفناء الخلفي للبيت، ولم تبرز أيّ نخلة أو حتى ما يشبه النخيل وأكاد أزعم أنه هو أيضا استغرب الموضوع، إذ كنت أتحسس ذلك في نبرة صوتة خلال مكالماته الهاتفية...ثم لم يعد يسألني عن " المشروع " وكأنّه تحاشى إحراجي في أمر هو يعرف أني أعطيته حجما من الإهتمام الروحي، ومرّت سنة تقريبا وانتابني يأس ثقيل واعتبرت ذلك أمرا سلبيا، وحاولت أن أنسى المسألة، لكنّي كنت دائما مدفوعا إلى الفناء الخلفي للبيت حيث أطيل التحديق في المكان الذي زرعت فيه النواتان بحثا عن النتيجة المرجوّة، وفي الأخير قرّرت وبعد طول الإنتظار أن أصرف اهتمامي عن الأمر، واقتنعت أنه لا بدّ من محاولة ثانية، وبتّ أجد لنفسي التبريرات لما حدث وأرجع النتيجة التي لم تأت إلى عوامل التربة والطقس والرطوبة حتى لا يأخذ التطيّر حيّزا في تفكيري ومن منّا ليست في ذهنه ولو ذرّة تطيّر.
ومرّت أسابيع وأسابيع، وحدث أن قرّرت القيام بأشغال جزئية بالحديقة، كنوع من الرياضة والترويح عن النفس، وأنا أنزع بعض الأعشاب الطفيلية برزت أمامي نخلتان لا يتجاوز طولهما السنتيمترأو أزيد بقليل فأمعنت النظر وأمعنت ورأيت فيهما على صغر الحجم شموخا وهمّة ونورا خفيّا وأحسست أن الله عزّ وجل أكرمني بأن أنبت في ركن من حديقتي الصغيرة نخلتان من نخيل المدينة المنوّرة، وتزاحمت في داخلي مشاعر مختلفة وغمرتني الأجواء الإيجابيّة...
ثم أقبلت على تنظيف المكان والتقطت صورة أرسلتها عبر الهاتف إلى أخي سعد الجريس في مدينة الرياض
فكانت إجابته السريعة حاملة لأكثر من معنى إذ كتب " بشارة خير بحول الله ".
وبالفعل هكذا أحسست أنها كانت بشارة خير، كيف لا وحديقتي الصغيرة فيها فرع من أصل نخل المدينة المنوّرة الذي قال فيه الرسول الأكرم مجموعة من الأحاديث الشريفة تؤكّد قيمته الصحيّة والغذائية.
صوت المدينة - المولدي الهمامـي
في كل مرة يزور فيها أخي وصديقي الإعلامي الكبير سعد الجريس " أبو عمر " تونس في إطار عمله كان يسألني عمّا كنت أريد شيئا محددا من بلاد الحرمين الشريفين وكنت أجيبه في كل مرّة أن زيارته إلينا تغني عن كل الهدايا ومع ذلك كان لا يدخل بيتي أو أقابله إلا ومعه ما يتناسب مع ذوقه الرفيع وكرمه، ويحرص دائما أن تكون من بين هدياه علبة من تمر المدينة المنوّرة..
وكنّا في البيت ولا نزال نعتبر ذلك من أثمن الهدايا ونحرص على أن تبقى العلبة لفترة كما هي تيمّنا وتبرّكا بالتربة التي حوت شجرتها والتي تشعّ نورا من خطى خير الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام، ثم لا أبخل على العائلة الموسّعة بشئ من ذلك التمر الذي يرى فيه كل شخص غاية خاصّة به هي من نبع صفاء النيّة وبراءتها من الشوائب.
فمنه من يعتبر حبّة التمر بلسما لسقمه ومنهم من يرى في نواتها جلبا للحظ والرزق فيضعها في حافظة نقوده ومنهم من من يعتبرها جالبة للبركة في البيت، ومن لطف الله ورحمته أن تنزل روح إيجابيّة على الجميع وتذهب بكل واحد منّا أحلام اليقظة إلى منازل إيمانيّة تلقائية وعميقة في صدقها لا يعلمها إلا الخالق الباري لأنه الوحيد الذي يعلم ما في الصدور...
وهذه المشاعر التي قد تبدو عند البعض غريبة ومبالغ فيها إلا أنّنا في تونس بالأخص فإن كل ما يأتي به الحاج أو المعتمر عند عودته من مكة المكرمة والمدينة المنوّرة له وقع روحاني خاص مثل البخور واللبان والمسبحات أما ماء بئر زمزم فإنّه يوزّع على المهنئين في كؤوس صغيرة ويعتبر لحظة خاصّة يسافر فيها الخيال إلى مكّة المكرّمة والطواف والسعي...
وترى الواحد منّا قبل شرب ذلك القليل من ماء زمزم يتمتم بالدعاء إلى الله عز وجل وهو على يقين أن الخالق سيكرمه بالإستجابة.
وفي المرّة قبل الأخيرة التي زارني فيها صديقي سعد الجريس كانت المفاجأة إذ ذهب مباشرة إلى الفناء الخلفي للبيت وفي ركن من الحديقة الصغيرة وبعد البسملة غرس نواتي تمر من تمور المدينة المنوّرة، وقد انتابني لحظتها شعور غريب تداخلت فيه الكثير من الأحاسيس واستحضرت في تلك اللحظة مسجد النبي الأكرم وقبره وروضته الشريفة و ساحات المدينة المنوّرة ومساجدها وقبابها وجموع المصلّين والآذان الصاعد إلى عنان السماوات ثم غابات نخيلها وأسواقها ودورها وجبالها وسهولها ووديانها ، فكأنّي أصبحت في مكان تفوح منه طيب الروائح والعطور وشذاها السابح مع نسمات هواء منعش لعشيّة خريف تونسي، ثم همس لي أن اسقيها ببعض الماء وعندما تكبر قليلا عليّ أن أغير مكانها في ركن أوسع وأن أنزع بلطف بقايا النواة حتى تجود الباسقات بثمارها وإلا ستكون مع مرّ الأيام نخلة للزينة فقط..
لم أكن أعلم مدّة الزمن قبل أن تبرز النبتة في مراحلها الأولى وظننت بفعل جهلى للمسألة أن الأمر لن يتجاوز الأسابيع القليلة، وعاد صديقى إلى أهله ومرّت الأشهر وكان دائم السؤال عن مصير النواتين، أما أنا فكان لا يمرّ أسبوع إلا وألقي أكثر من نظرة على الفناء الخلفي للبيت، ولم تبرز أيّ نخلة أو حتى ما يشبه النخيل وأكاد أزعم أنه هو أيضا استغرب الموضوع، إذ كنت أتحسس ذلك في نبرة صوتة خلال مكالماته الهاتفية...ثم لم يعد يسألني عن " المشروع " وكأنّه تحاشى إحراجي في أمر هو يعرف أني أعطيته حجما من الإهتمام الروحي، ومرّت سنة تقريبا وانتابني يأس ثقيل واعتبرت ذلك أمرا سلبيا، وحاولت أن أنسى المسألة، لكنّي كنت دائما مدفوعا إلى الفناء الخلفي للبيت حيث أطيل التحديق في المكان الذي زرعت فيه النواتان بحثا عن النتيجة المرجوّة، وفي الأخير قرّرت وبعد طول الإنتظار أن أصرف اهتمامي عن الأمر، واقتنعت أنه لا بدّ من محاولة ثانية، وبتّ أجد لنفسي التبريرات لما حدث وأرجع النتيجة التي لم تأت إلى عوامل التربة والطقس والرطوبة حتى لا يأخذ التطيّر حيّزا في تفكيري ومن منّا ليست في ذهنه ولو ذرّة تطيّر.
ومرّت أسابيع وأسابيع، وحدث أن قرّرت القيام بأشغال جزئية بالحديقة، كنوع من الرياضة والترويح عن النفس، وأنا أنزع بعض الأعشاب الطفيلية برزت أمامي نخلتان لا يتجاوز طولهما السنتيمترأو أزيد بقليل فأمعنت النظر وأمعنت ورأيت فيهما على صغر الحجم شموخا وهمّة ونورا خفيّا وأحسست أن الله عزّ وجل أكرمني بأن أنبت في ركن من حديقتي الصغيرة نخلتان من نخيل المدينة المنوّرة، وتزاحمت في داخلي مشاعر مختلفة وغمرتني الأجواء الإيجابيّة...
ثم أقبلت على تنظيف المكان والتقطت صورة أرسلتها عبر الهاتف إلى أخي سعد الجريس في مدينة الرياض
فكانت إجابته السريعة حاملة لأكثر من معنى إذ كتب " بشارة خير بحول الله ".
وبالفعل هكذا أحسست أنها كانت بشارة خير، كيف لا وحديقتي الصغيرة فيها فرع من أصل نخل المدينة المنوّرة الذي قال فيه الرسول الأكرم مجموعة من الأحاديث الشريفة تؤكّد قيمته الصحيّة والغذائية.