شهادتي الثانوية
5 أغسطس 2019
صوت المدينة - فوزية الشيخـي
التحقت قبل عدة سنوات بأحد الكليات في مدينتي، ودرست بتلك الكلية فصلًا واحدًا فقط، ولأسباب خارجة عن إرادتي، اضطررت إلى ترك الكلية واكتفيت بشهادتي الثانوية.
مع مرور الوقت احتجت لوظيفة، وأثناء بحثي عن الوظيفة لم أتوقف يومًا عن القراءة والاطلاع في شتى المجالات، لم يقع بيدي كتابًا إلا وقرأته للحد الذي جعلني أكوّن مكتبة متواضعة في منزلي، أقضي بها جلّ وقتي
طورت من نفسي كثيرًا في كل شيء، وعوّضت تَركي للكلية بكل تلك الأشياء الآنفة الذكر، لم أتوقف يومًا عن تعليم نفسي بنفسي، وأخيرًا وبعد طول انتظار تم توظيفي كمعلمة في فصول محو الأمية، في ذلك الوقت
وكم فرحت بتلك الوظيفة التي كان بعض المحيطين بي يتهكّمون ويسخرون من كوني حصلت عليها، كونها كما يقولون «وظيفة أي كلام وما توكل عيش». هكذا كانت نظرة الآخرين لوظيفتي تلك.
استمريت بتلك الوظيفة سنوات كانت سنوات مفعمة بالجمال، كوني كنت أصف نفسي معلمة تنير الطريق لفئة قد فاتها قطار التعليم منذ الصغر، وكان أغلب الملتحقات بتلك الفصول من كبيرات السن كنت أقضي
معهن أجمل اللحظات، وكانت تزيد فرحتي عندما أرى تلك المرأة الطاعنة في السن، وهي تقرأ كلمة من جملة أو تكتب حروفًا وتنطقها، وكانت تكتمل فرحتي عندما أسمعها تقرأ شيء من القرآن، كان قلبي وقتها
يكاد يطير فرحًا، كنت أشعر أنني فعلت شيئًا عظيمًا حينها؛ بأن جعلت هؤلاء المسنات يقرأن ويكتبن ويتلون القرآن اعتبرته شيء من الإنجاز.
مرت السنوات سريعًا وانتقلت من معلمة لمحو الأمية إلى عمل إداري بحت، أحببت عملي الجديد واجتهدت فيه، أحب عملي وأحب أن أنجزه بكل اتقان، ليس في قاموسي التقاعس أو التأخير لأي شيء يسند إلي.
في أحد الأيام طلبتْ مني إحدى الموظفات عملًا أنجزه لها شخصيًا فرفضت طلبها بكل لباقة واحترام؛ لأنه ليس من مهام عملي، بل كان ما طلبته مني من مهام عملها هي، لذلك رفضت طلبها، ثم من بعد ذلك الموقف
غضبتْ كثيرًا وذهبت إلى رئيستي المباشرة لتشكوها، أثناء بث شكوتها تلفظت بألفاظ نابية جدًا وكانت تردد هذه العبارة: «ألم تجدي إلا حاملة الثانوية هذه لتكلفيها بهذا العمل، هناك من هن أكفأ منها ويحملن شهادة
أعلى وليس ثانوية!» وكانت تقولها بتهكّم سافر جدًا.
أنا هي حاملة الثانوية وأفتخر كوني حاملة للشهادة الثانوية، الإنسان لا يقاس بما يحمله من شهادات، ليست الشهادة هي من تصنع الانسان وشخصيتهُ، إنما الإنسان هو الذي يصنع الشهادة بثقافته
وبشخصيته الجميلة التي يكون قد تعلمها من خبرات الحياة، أو من بيئته فالإنسان هو الذي يستطيع أن يحدد ثقافته بنفسه، وليس شرط أن تكون بالشهادات الجامعية.
كثيرًا ما نصادف أشخاص لم يوفقوا في الحصول على القدر الكافي من التعليم، إلا أنهم يملكون فكرًا وثقافة تتجاوز المتعلمين بمراحل، الشهادة الجامعية لا تميز صاحبها بأنه مختلف؛ فكثيرًا ما نجد ذوي شهادات جامعية
وهم للأسف كالإناء الفارغ خاوٍ من الداخل، الاختلاف لا يأتي إلا بالقراءة والبحث عن المعلومة والاطلاع بمختلف المجالات، حتى نستطيع القول بأن هذا الشخص مختلف وعلى قدر من الثقافة، للأسف الشديد أن الكثير
من حاملي الشهادات في زمننا هذا، هم بعيدين كل البعد عن الثقافة وتفكيرهم سطحي جدًا.
من منا لم يسمع بقصص النجاح المدوية؛ التي غيرت العالم لأشخاص لا يملكون أي مؤهل جامعي مثل ستيف جوبز، أو أديسون؟
لا أقول إن الدراسة غير مهمة، بل هي مهمة جدًا، ولكن ليس من الضروري أن تنال الشهادة لكي تصبح ناجحاً، فالعامل المتقن لحرفته ناجح، والأم المجتهدة في بيتها المربية لأبنائها ناجحة، فهي
التي تنشئ أجيالاً صالحين يقومون بخدمة هذا الدين ورفعة هذا البلد.
يا مَن لم تملكوا شهادة، اقرأوا في سير هؤلاء العظماء الذين رُفِعت مكانتهم، وعلا شأنهم لكي تأخذوا العظة والعبرة منهم، وإياكم وتثبيط أنفُسكم بترديد الكلمات السلبية، وأعرضوا عن كل
المثبطين لتحقيق أهدافكم، الذين يعتقدون أن الشهادة هي كل شيء، بل أقول لكم إن الإرادة والعمل الدؤوب هما كل شيء.
لم تصنع الشهادة الجاحظ أو سقراط والمتنبي، فالنجاح لم يكن متوارثاً بل يولد بالجهد والعمل، ومتى ما كانت لديك عزيمة قوية فأنت ناجح.
لكن النجاح في الحياة يحتاج أيضا لمهارات، فعلى الإنسان أن يسعى لتطوير نفسه باستمرار.
خلاصة القول لكل من لم يحالفه الحظ بالحصول على شهادة جامعية، لا تحزن فالحياة أكبر وأعمق من مجرد شهادة ورقية، إن ما تحمله في داخلك من يقين وإيمان بالله، وما تحمله
من عزيمة وإصرار سوف يقودانك للنجاح والتميز يومًا ما.
الإبداع لا يموت بالفشل في الدراسة، بل بالعكس ربما يحيا أو يستيقظ من سباته.
صوت المدينة - فوزية الشيخـي
التحقت قبل عدة سنوات بأحد الكليات في مدينتي، ودرست بتلك الكلية فصلًا واحدًا فقط، ولأسباب خارجة عن إرادتي، اضطررت إلى ترك الكلية واكتفيت بشهادتي الثانوية.
مع مرور الوقت احتجت لوظيفة، وأثناء بحثي عن الوظيفة لم أتوقف يومًا عن القراءة والاطلاع في شتى المجالات، لم يقع بيدي كتابًا إلا وقرأته للحد الذي جعلني أكوّن مكتبة متواضعة في منزلي، أقضي بها جلّ وقتي
طورت من نفسي كثيرًا في كل شيء، وعوّضت تَركي للكلية بكل تلك الأشياء الآنفة الذكر، لم أتوقف يومًا عن تعليم نفسي بنفسي، وأخيرًا وبعد طول انتظار تم توظيفي كمعلمة في فصول محو الأمية، في ذلك الوقت
وكم فرحت بتلك الوظيفة التي كان بعض المحيطين بي يتهكّمون ويسخرون من كوني حصلت عليها، كونها كما يقولون «وظيفة أي كلام وما توكل عيش». هكذا كانت نظرة الآخرين لوظيفتي تلك.
استمريت بتلك الوظيفة سنوات كانت سنوات مفعمة بالجمال، كوني كنت أصف نفسي معلمة تنير الطريق لفئة قد فاتها قطار التعليم منذ الصغر، وكان أغلب الملتحقات بتلك الفصول من كبيرات السن كنت أقضي
معهن أجمل اللحظات، وكانت تزيد فرحتي عندما أرى تلك المرأة الطاعنة في السن، وهي تقرأ كلمة من جملة أو تكتب حروفًا وتنطقها، وكانت تكتمل فرحتي عندما أسمعها تقرأ شيء من القرآن، كان قلبي وقتها
يكاد يطير فرحًا، كنت أشعر أنني فعلت شيئًا عظيمًا حينها؛ بأن جعلت هؤلاء المسنات يقرأن ويكتبن ويتلون القرآن اعتبرته شيء من الإنجاز.
مرت السنوات سريعًا وانتقلت من معلمة لمحو الأمية إلى عمل إداري بحت، أحببت عملي الجديد واجتهدت فيه، أحب عملي وأحب أن أنجزه بكل اتقان، ليس في قاموسي التقاعس أو التأخير لأي شيء يسند إلي.
في أحد الأيام طلبتْ مني إحدى الموظفات عملًا أنجزه لها شخصيًا فرفضت طلبها بكل لباقة واحترام؛ لأنه ليس من مهام عملي، بل كان ما طلبته مني من مهام عملها هي، لذلك رفضت طلبها، ثم من بعد ذلك الموقف
غضبتْ كثيرًا وذهبت إلى رئيستي المباشرة لتشكوها، أثناء بث شكوتها تلفظت بألفاظ نابية جدًا وكانت تردد هذه العبارة: «ألم تجدي إلا حاملة الثانوية هذه لتكلفيها بهذا العمل، هناك من هن أكفأ منها ويحملن شهادة
أعلى وليس ثانوية!» وكانت تقولها بتهكّم سافر جدًا.
أنا هي حاملة الثانوية وأفتخر كوني حاملة للشهادة الثانوية، الإنسان لا يقاس بما يحمله من شهادات، ليست الشهادة هي من تصنع الانسان وشخصيتهُ، إنما الإنسان هو الذي يصنع الشهادة بثقافته
وبشخصيته الجميلة التي يكون قد تعلمها من خبرات الحياة، أو من بيئته فالإنسان هو الذي يستطيع أن يحدد ثقافته بنفسه، وليس شرط أن تكون بالشهادات الجامعية.
كثيرًا ما نصادف أشخاص لم يوفقوا في الحصول على القدر الكافي من التعليم، إلا أنهم يملكون فكرًا وثقافة تتجاوز المتعلمين بمراحل، الشهادة الجامعية لا تميز صاحبها بأنه مختلف؛ فكثيرًا ما نجد ذوي شهادات جامعية
وهم للأسف كالإناء الفارغ خاوٍ من الداخل، الاختلاف لا يأتي إلا بالقراءة والبحث عن المعلومة والاطلاع بمختلف المجالات، حتى نستطيع القول بأن هذا الشخص مختلف وعلى قدر من الثقافة، للأسف الشديد أن الكثير
من حاملي الشهادات في زمننا هذا، هم بعيدين كل البعد عن الثقافة وتفكيرهم سطحي جدًا.
من منا لم يسمع بقصص النجاح المدوية؛ التي غيرت العالم لأشخاص لا يملكون أي مؤهل جامعي مثل ستيف جوبز، أو أديسون؟
لا أقول إن الدراسة غير مهمة، بل هي مهمة جدًا، ولكن ليس من الضروري أن تنال الشهادة لكي تصبح ناجحاً، فالعامل المتقن لحرفته ناجح، والأم المجتهدة في بيتها المربية لأبنائها ناجحة، فهي
التي تنشئ أجيالاً صالحين يقومون بخدمة هذا الدين ورفعة هذا البلد.
يا مَن لم تملكوا شهادة، اقرأوا في سير هؤلاء العظماء الذين رُفِعت مكانتهم، وعلا شأنهم لكي تأخذوا العظة والعبرة منهم، وإياكم وتثبيط أنفُسكم بترديد الكلمات السلبية، وأعرضوا عن كل
المثبطين لتحقيق أهدافكم، الذين يعتقدون أن الشهادة هي كل شيء، بل أقول لكم إن الإرادة والعمل الدؤوب هما كل شيء.
لم تصنع الشهادة الجاحظ أو سقراط والمتنبي، فالنجاح لم يكن متوارثاً بل يولد بالجهد والعمل، ومتى ما كانت لديك عزيمة قوية فأنت ناجح.
لكن النجاح في الحياة يحتاج أيضا لمهارات، فعلى الإنسان أن يسعى لتطوير نفسه باستمرار.
خلاصة القول لكل من لم يحالفه الحظ بالحصول على شهادة جامعية، لا تحزن فالحياة أكبر وأعمق من مجرد شهادة ورقية، إن ما تحمله في داخلك من يقين وإيمان بالله، وما تحمله
من عزيمة وإصرار سوف يقودانك للنجاح والتميز يومًا ما.
الإبداع لا يموت بالفشل في الدراسة، بل بالعكس ربما يحيا أو يستيقظ من سباته.