كنت في الربع الخالي!
فواز الخريشي - المدينة المنورة
حين تباع قهوة في المدينة بعشر أضعاف ما يكلف صنعها، كنت أشعر أن فخ التمدن "مقرف" وقد حفره لنا التحضر ولم يقع هو فيه، بل نحن من وقعنا فيه على رؤوسنا.
أنا مؤمن أننا نعيش في زمن الموضة وأن "البرستيج" وباء حل على الكوكب، فجعل كل شيء يستحق الدرك الأسفل من الغضب، فكل شيء يظهر عكس ما يخفي.. أي أن كل الأشياء تنافقنا "بس بشياكة".
عدت من إجازة طويلة لعملي حتى أعلم أن هناك رحلة كرحلات "سندباد" تنتظرني، والوجهة إلى الربع الخالي، وبالتحديد على حدود الوطن.
كنت أظن الموضوع مزحة ثقيلة، واختبار لرغبتي في العمل، وحتى لا أفشل في هذا الاختبار كنت أضرب صدري وأقول "تمام يا فندم" ولما بدا الأمر جديًا بدأ "يغثني" كدعايات جولي شيك.
لن أخوض في التفاصيل كثيرًا -رغم أني خضت- المهم كانت رحلة طويلة ومنهكة ومتعبة، وحين وصلنا كان الوضع كأيام ما قبل التاريخ. أنت تنتظر طويلًا قبيل أن يصلك أي خبر تبحث عنه، فليس هناك وسائل تواصل، والجوال فقد قيمته تمامًا، وعاد الأمر للراحلين وأخبارهم من جديد.
وقفت في أماكن تبعدني عن حدود أوطان أخرى أمتار لا أكثر. هناك أنت تفتقد ضجة الناس والإشاعات وصخب السيارات ونداء المساجد. هناك علاج واحد فقط لكل الأمراض، يجعلك تسكن حتى تصل لأقرب منطقة يمكن أن تعالج بها. هناك لا ترى في الأفق إلا الرمال، ولا تسمع صدى لأي صوت. هناك لا شيء يعيش ولا شيء يبقى، فالطبيعة أقوى مما يتحمله البشر.
لا شيء يبدو بخير هناك، إلا رجال تراهم كل فترة، العرق يملأ أجسادهم، والوحدة دود يأكل تفكيرهم. هم يقفون هناك يحرسون هذا البلد من أي شخص يحاول عابثًا الدخول لأطماع أو أهداف لا تجعلنا نحن "المتمدنين" بخير.
ترى تلك الوجوه كل فترة، هي ذات الوجوه وفي كل مرة ترانا تزيد ابتسامتها، رجال حرس الحدود، مهما وقفت تصف معاناتهم وتعبهم وإنهاكهم وابتسامتهم؛ رغم هذا أنت لا تجد معاني تقدمها لهم تكون كالسلوى وتجعلهم كالحواريين، ووالله لو أني وجدت تلك الكلمات لقلتها هنا، ولكن هناك خلل مني أو من اللغة أو ربما كلانا.
عدت بعد أيام وقد قطعت أكثر من خمسة آلاف وخمسمائة كيلو متر في رحلتي.. عدت للقهوة التي تباع بعشرة أضعاف قيمتها، ولبيتي الذي تحارب جدرانه أشعة الشمس، وذاك المكيف الذي ينتصر في معركته ضد الطبيعة؛ لأشعر أن هذا الفخ الذي أنا فيه كاد ينسيني عمدًا أن هناك أناس بعد الله ترعاني، وتأخذ بعيني لتنام، وهم يسهرون لحمايتي، ويبدو أن المدينة لا تريني الأشياء كما تبدو، فهناك أناس هم عائلتي، تقف لتحميني كما يحمي الأب طفله، وقد أكون عاقًا بعد هذا لأني لم أرهم إلا الأن.
ثم أنـه: "هل رأيتهم الأن؟"
حين تباع قهوة في المدينة بعشر أضعاف ما يكلف صنعها، كنت أشعر أن فخ التمدن "مقرف" وقد حفره لنا التحضر ولم يقع هو فيه، بل نحن من وقعنا فيه على رؤوسنا.
أنا مؤمن أننا نعيش في زمن الموضة وأن "البرستيج" وباء حل على الكوكب، فجعل كل شيء يستحق الدرك الأسفل من الغضب، فكل شيء يظهر عكس ما يخفي.. أي أن كل الأشياء تنافقنا "بس بشياكة".
عدت من إجازة طويلة لعملي حتى أعلم أن هناك رحلة كرحلات "سندباد" تنتظرني، والوجهة إلى الربع الخالي، وبالتحديد على حدود الوطن.
كنت أظن الموضوع مزحة ثقيلة، واختبار لرغبتي في العمل، وحتى لا أفشل في هذا الاختبار كنت أضرب صدري وأقول "تمام يا فندم" ولما بدا الأمر جديًا بدأ "يغثني" كدعايات جولي شيك.
لن أخوض في التفاصيل كثيرًا -رغم أني خضت- المهم كانت رحلة طويلة ومنهكة ومتعبة، وحين وصلنا كان الوضع كأيام ما قبل التاريخ. أنت تنتظر طويلًا قبيل أن يصلك أي خبر تبحث عنه، فليس هناك وسائل تواصل، والجوال فقد قيمته تمامًا، وعاد الأمر للراحلين وأخبارهم من جديد.
وقفت في أماكن تبعدني عن حدود أوطان أخرى أمتار لا أكثر. هناك أنت تفتقد ضجة الناس والإشاعات وصخب السيارات ونداء المساجد. هناك علاج واحد فقط لكل الأمراض، يجعلك تسكن حتى تصل لأقرب منطقة يمكن أن تعالج بها. هناك لا ترى في الأفق إلا الرمال، ولا تسمع صدى لأي صوت. هناك لا شيء يعيش ولا شيء يبقى، فالطبيعة أقوى مما يتحمله البشر.
لا شيء يبدو بخير هناك، إلا رجال تراهم كل فترة، العرق يملأ أجسادهم، والوحدة دود يأكل تفكيرهم. هم يقفون هناك يحرسون هذا البلد من أي شخص يحاول عابثًا الدخول لأطماع أو أهداف لا تجعلنا نحن "المتمدنين" بخير.
ترى تلك الوجوه كل فترة، هي ذات الوجوه وفي كل مرة ترانا تزيد ابتسامتها، رجال حرس الحدود، مهما وقفت تصف معاناتهم وتعبهم وإنهاكهم وابتسامتهم؛ رغم هذا أنت لا تجد معاني تقدمها لهم تكون كالسلوى وتجعلهم كالحواريين، ووالله لو أني وجدت تلك الكلمات لقلتها هنا، ولكن هناك خلل مني أو من اللغة أو ربما كلانا.
عدت بعد أيام وقد قطعت أكثر من خمسة آلاف وخمسمائة كيلو متر في رحلتي.. عدت للقهوة التي تباع بعشرة أضعاف قيمتها، ولبيتي الذي تحارب جدرانه أشعة الشمس، وذاك المكيف الذي ينتصر في معركته ضد الطبيعة؛ لأشعر أن هذا الفخ الذي أنا فيه كاد ينسيني عمدًا أن هناك أناس بعد الله ترعاني، وتأخذ بعيني لتنام، وهم يسهرون لحمايتي، ويبدو أن المدينة لا تريني الأشياء كما تبدو، فهناك أناس هم عائلتي، تقف لتحميني كما يحمي الأب طفله، وقد أكون عاقًا بعد هذا لأني لم أرهم إلا الأن.
ثم أنـه: "هل رأيتهم الأن؟"
....فعلا كلمه شكرا لن توفيهم حقهم هالابطال
اعانهم الله ووسدد خطاهم