بين الشرعي والوضعي: قوانين حائرة.
ينجو الأطفال بطريقةٍ ما.
هذه الفكرة التي كبرنا وتربينا عليها، والتي يحاول العالم تجاهل أهمية الدّقة في التعامل مع الأطفال بناءً عليها، لكني -كطفلة عاشت في حقبة الثمانينيات قليلًا والتسعينيات كثيرًا- أتساءل هل نجونا فعلاً؟ هل كوننا أحياء بكامل أعضائنا يعتبر نجاة حقيقية؟ أم أن الحُطام يرقد في مكانٍ آخر داخلنا، وأنك لو فتشّت جيداً في قلوبنا لوجدت رُفات روحٍ كانت تظنّ أن الحياة يمكن أن ترى نقاءها فترعاها جيدًا؟
الأطفال الذين نظن أنهم نجوا عاشوا حياة عقابٍ على شيء لم يفعلوه، عقاب يتفاخر الجميع بإنزاله بهم في المدرسة والشارع، ومجالس الرجال والنساء.
أطفال حرمت إناثهم من استخدام المرآة في المدارس، وتمّت مصادرتها منهنّ في جولات تفتيشية تنافس السجون رعبًا وقسوة، وتعدّى الأمر ذلك الى إزالة المرايا من دورات المياة!
تخيّل أن تفهم الطفلة أن انعكاسها في المرآة، واهتمامها بشكل شعرها، و منظر وجهها، هي جريمة تستوجب العقاب!
تخيّل أن خصلات الشعر المنسدلة من مقدمة الشعر، والمسمّاة بـ"غرّة" كان يتم دهنها بـ "ڤازلين" دبق أمام الجميع؛ ردعًا لأي فتاة تسوّل لها نفسها الاعتداد بأنوثتها!
كنتُ أشفق على الفتيات ذوات الشعر الحريري، كيف يمكنهنّ التعامل مع هذا الأمر وخصلاتهنّ تتواطأ مع الإدارة خلسة وتفضحهنّ في الطابور الصباحي برغم كل الدبابيس و الربطات المثبتة فوق رؤوسهنّ؟
هل خطر للعقل المدبّر الذي يقف خلف سلسة المحظورات تلك أنه ما من نص شرعي واحد يمنع الفتاة من هذه الممارسات الفطرية إلا في حال كانت بحضرة رجال؟
أما أن تكون في مدرسة من بابها الى سقفها، تضمّ جنسًا واحدًا يشبهها فقط فما الضير؟
هل خطر لمديرات المدارس آنذاك أنّ للفتيات حياة كاملة خارج أسوار هذه المنشأة وهنّ يمسكن بالمساطر الخشبية ويهوين بها على أيدي من لوّنت شعرها لونًا دائمًا؟
هل فكرت أولئك القائدات التربويات أن الصّبغة شيء لا يمكن التّخلص منه في المنزل صباحاً وإعادته بعد الظهر بسهولة؟
ما كان يحدث في المدارس أيامها، كان نموذجاً مصغّراً لفكر مجتمعي كامل، يفسّر الأمور بأسوأ احتمال لها، فقد كان تصريح لئيم مثل:. "تخرج إلى المطاعم برفقة صديقاتها" كفيل بإنهاء مشروع خطبة فتاة، قبل أن تنطلق زغاريط الفرح، وكانت سمعة المرأة التي تُمارس الحياة خارج منزلها، من تبضّع و زيارة وقضاء وقت مع الصديقات، تلاحقها فتغدو أخطر على المجتمع من فتيات الهوى!
ناهيك عن المنازل الموبوءة، والتي يتربع اللاقط الفضائي "الدّش" فوق سطحها فيتجنب الجميع دخول هذا المنزل والاختلاط بأفراده، ولم يسلم السائحون السعوديون خارج البلاد من اتهامات تطالهم حين العودة، من أنهم اختلطوا بالكفار، وارتكبوا آثامًا عظيمةً، وكأن الرادع الديني يسكن السعودية فقط، ويمكن خلعه كالعباءة حين المغادرة.
كان التشكيك و سوء الظن هو الخيار الأول دائمًا!
أطفال الثمانينيات والتسعينيات الميلادية، كبروا وصاروا بالغين الآن. يتلفتون حولهم بكثير من الدّهشة، وقليلٍ من الأسى والمرارة، على حياة ضاعت إرضاءً لبشر، اخترعوا قوانين مجحفة لإقصاء الآخر عن الحياة الطبيعية.
وأختم مقالي بما قاله غسّان حامد عُمر في كتابه :ماذا حدث للسعوديين؟
"لقد مرّ مواطنو هذه البلاد بمراحل مختلفة، ولن يلاحظها إلا ثلاثة: إنسانٌ استيقظ من غيبوبة طويلة، أو زائر غاب عن البلاد لعقدين، أو امرؤ لديه بصيرة نافذة، وأرجو أن ـكون من النوع الأخير."
هذه الفكرة التي كبرنا وتربينا عليها، والتي يحاول العالم تجاهل أهمية الدّقة في التعامل مع الأطفال بناءً عليها، لكني -كطفلة عاشت في حقبة الثمانينيات قليلًا والتسعينيات كثيرًا- أتساءل هل نجونا فعلاً؟ هل كوننا أحياء بكامل أعضائنا يعتبر نجاة حقيقية؟ أم أن الحُطام يرقد في مكانٍ آخر داخلنا، وأنك لو فتشّت جيداً في قلوبنا لوجدت رُفات روحٍ كانت تظنّ أن الحياة يمكن أن ترى نقاءها فترعاها جيدًا؟
الأطفال الذين نظن أنهم نجوا عاشوا حياة عقابٍ على شيء لم يفعلوه، عقاب يتفاخر الجميع بإنزاله بهم في المدرسة والشارع، ومجالس الرجال والنساء.
أطفال حرمت إناثهم من استخدام المرآة في المدارس، وتمّت مصادرتها منهنّ في جولات تفتيشية تنافس السجون رعبًا وقسوة، وتعدّى الأمر ذلك الى إزالة المرايا من دورات المياة!
تخيّل أن تفهم الطفلة أن انعكاسها في المرآة، واهتمامها بشكل شعرها، و منظر وجهها، هي جريمة تستوجب العقاب!
تخيّل أن خصلات الشعر المنسدلة من مقدمة الشعر، والمسمّاة بـ"غرّة" كان يتم دهنها بـ "ڤازلين" دبق أمام الجميع؛ ردعًا لأي فتاة تسوّل لها نفسها الاعتداد بأنوثتها!
كنتُ أشفق على الفتيات ذوات الشعر الحريري، كيف يمكنهنّ التعامل مع هذا الأمر وخصلاتهنّ تتواطأ مع الإدارة خلسة وتفضحهنّ في الطابور الصباحي برغم كل الدبابيس و الربطات المثبتة فوق رؤوسهنّ؟
هل خطر للعقل المدبّر الذي يقف خلف سلسة المحظورات تلك أنه ما من نص شرعي واحد يمنع الفتاة من هذه الممارسات الفطرية إلا في حال كانت بحضرة رجال؟
أما أن تكون في مدرسة من بابها الى سقفها، تضمّ جنسًا واحدًا يشبهها فقط فما الضير؟
هل خطر لمديرات المدارس آنذاك أنّ للفتيات حياة كاملة خارج أسوار هذه المنشأة وهنّ يمسكن بالمساطر الخشبية ويهوين بها على أيدي من لوّنت شعرها لونًا دائمًا؟
هل فكرت أولئك القائدات التربويات أن الصّبغة شيء لا يمكن التّخلص منه في المنزل صباحاً وإعادته بعد الظهر بسهولة؟
ما كان يحدث في المدارس أيامها، كان نموذجاً مصغّراً لفكر مجتمعي كامل، يفسّر الأمور بأسوأ احتمال لها، فقد كان تصريح لئيم مثل:. "تخرج إلى المطاعم برفقة صديقاتها" كفيل بإنهاء مشروع خطبة فتاة، قبل أن تنطلق زغاريط الفرح، وكانت سمعة المرأة التي تُمارس الحياة خارج منزلها، من تبضّع و زيارة وقضاء وقت مع الصديقات، تلاحقها فتغدو أخطر على المجتمع من فتيات الهوى!
ناهيك عن المنازل الموبوءة، والتي يتربع اللاقط الفضائي "الدّش" فوق سطحها فيتجنب الجميع دخول هذا المنزل والاختلاط بأفراده، ولم يسلم السائحون السعوديون خارج البلاد من اتهامات تطالهم حين العودة، من أنهم اختلطوا بالكفار، وارتكبوا آثامًا عظيمةً، وكأن الرادع الديني يسكن السعودية فقط، ويمكن خلعه كالعباءة حين المغادرة.
كان التشكيك و سوء الظن هو الخيار الأول دائمًا!
أطفال الثمانينيات والتسعينيات الميلادية، كبروا وصاروا بالغين الآن. يتلفتون حولهم بكثير من الدّهشة، وقليلٍ من الأسى والمرارة، على حياة ضاعت إرضاءً لبشر، اخترعوا قوانين مجحفة لإقصاء الآخر عن الحياة الطبيعية.
وأختم مقالي بما قاله غسّان حامد عُمر في كتابه :ماذا حدث للسعوديين؟
"لقد مرّ مواطنو هذه البلاد بمراحل مختلفة، ولن يلاحظها إلا ثلاثة: إنسانٌ استيقظ من غيبوبة طويلة، أو زائر غاب عن البلاد لعقدين، أو امرؤ لديه بصيرة نافذة، وأرجو أن ـكون من النوع الأخير."