حاملي الفكر المتطرف من شبابنا ضحايا للتغرير والشحن العاطفي، مع صغر السن وقلة التجربة
عضو لجنة المناصحة بالمدينة المنورة يرد على شبهات معتنقي الفكر المتطرف .. ويؤكد :
ابتهال الطيب - أكثر من 2 مليون مشاهدة سجلها حساب المبادرة الشبابية لطلاب وطالبات جامعة طيبة "يلاندردش" على تويتر خلال فترة قصيرة من انطلاقة الحملة والتي تهدف لتوعية المستهدفين وترسيخ سبل تعزيز الفكر المعتدل ومواجهة الشبهات والمشاركة في التطوير والتنمية الوطنية من خلال برامج وملتقيات وأدوات الإعلام الاجتماعي والتقليدي للمساهمة في سبل تعزيزه.
وقال فضيلة الاستاذ الدكتور عبد السلام بن سالم السحيمي أستاذ الفقه بالدراسات العليا بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية عضو لجنة المناصحة مستشار مدير الجامعة ورئيس الهيئة الاستشارية أن من اهم المرتكزات التي يقوم عليها حماية الفكر من الانحراف هي معرفة أسباب الانحراف: فإن معرفة ذلك سبب للحماية من الانحراف، فالجهل بالدين من أعظم الأسباب الحاملة على الانحراف في الفكر والتصور، ويتولد من ذلك عواقب وخيمة، فإن الشخص إذا جهل حقيقة التوحيد وقع فيما يضاده وهو الشرك، وإذا جهل حقيقة التكفير وقع فيما يضاده وهو تكفير المسلمين بغير حق، وكذلك إذا جهل حقيقة الولاء والبراء المحرم من غير المحرم وقع فيما يضاد ذلك، وإذا جهل حقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما يشترط لذلك وقع فيما يضاده، وإذا جهل حقيقة الذنوب وانقسامها والحكم على أهلها وقع في الظلم والجور، وإذا جهل ما يجب تجاه ولي الأمر المسلم، ومفارقة الجماعة وهكذا .فالغلو ومجاوزة الحد في التكفير والخروج عن الضوابط الشرعية مع خطورة ذلك على الأفراد والمجتمعات والحكام والعلماء ونظام الجماعة، وتطبيق جميع الأحكام المترتبة على الكفر على المسلمين هو نتيجة للجهل بالدين واتباع الهوى.
والغلو في الدين مرض فتاك سريع العدوى، ونتائجه المدمرة عاجلة، وآثاره تفسد الدين و الدنيا، وتهلك الحرث والنسل، ولما جُهِل حقيقة الجهاد الشرعي وضوابطه وحصل الغلو في ذلك صار قتال المسلمين من أسهل ما يكون باسم الجهاد، ولذا أوهم الشباب وصغار السن، بأن ذلك من الجهاد في سبيل الله، ولذا فإن نتيجة ذلك أنهم هدموا أصولا وثوابت شرعية، وحقوقا مرعية، من لزوم الجماعة والسلطان والبيعة والطاعة والأمن، واستحلوا الدماء المعصومة، وقاموا بالتخريب والتفجير باسم الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فوقعوا في جهل وظلم وجور في الأحكام، وهذه هي طريقة أهل البدع والأهواء، فإنهم كما قال العلماء: جمعوا بين الجهل والظلم في تكفير مخالفيهم، في حين أن أهل الحق أهل السنة والجماعة هم أهل العلم والعدل في مواقفهم مع مخالفيهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – في معرض رده على بعض أهل البدع -: "وهذه الطريقة التي سلكها هذا وأمثاله هي طريقة أهل البدع الذين يجمعون بين الجهل والظلم فيبتدعون بدعة مخالفة للكتاب و السنة وإجماع الصحابة ويكفرون من خالفهم في بدعتهم ... وأئمة السنة والجماعة وأهل العلم والإيمان، فيهم العلم والعدل والرحمة، فيعلمون الحق الذي يكونون موافقين للسنة سالمين من البدعة، ويعدلون على من خرج منها ولو ظلمهم".
ومن المرتكزات لحماية جناب الفكر: معرفة أن من أهم ما أوقع أهل الأهواء والجهل في الانحراف في مفهوم الجهاد وغيره هو المنهج الخاطئ في النظر والاستدلال؛فأهل الأهواء والبدع لهم أصول في النظر والاستدلال خالفوا بها ما دلت عليه النصوص الشرعية، وأهمها اعتمادهم في معظم أبواب الاعتقاد على أصول تناقض الحق، وهي أصول وضعها وابتدعها زعماؤهم وشيوخهم، ثم ما ظنوا أنه يوافقها من القرآن والسنة احتجوا به، وما خالفها تأولوه، ولذا ليس لهم عناية بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، ولا بتحرير دلالتهما واعتمادهم على الأحاديث الواهية والضعيفة والمكذوبة على رسول الله ، وردهم للأحاديث التي لا توافق أهواءهم()، أو تأويلها واتباعهم للمتشابه وترك المحكم والجهل بأقوال السلف الصالح وتحريفهم للأدلة عن مواضعها بأن يرد الدليل على مناط فيصرفونه عن ذلك المناط إلى أمر آخر موهمين أن المناطين واحد, وفتحهم لباب التأويل الفاسد للنصوص الشرعية بدون دليل، يقول ابن أبي العز الحنفي: "وهل خرجت الخوارج واعتزلت المعتزلة ورفضت الروافض وافترقت الأمة على ثلاث وسبعين فرقة إلا بالتأويل الفاسد", والغلو والإفراط في مسائل الاعتقاد كغلو الخوارج والمعتزلة في آيات الوعيد، وغير ذلك.
وهذه الأصول التي ساروا عليها في النظر والاستدلال هي التي أوقعتهم في الانحراف، ثم إنه كما يقال: "لكل قوم وارث"، نجد هذه الأصول نفسها تتكرر في مواقع الانترنت، وفي المؤلفات التي ينحوا أصحابها ناحية الغلو والتطرف في باب الجهاد وغيره، ولحماية الفكر من الانحراف لابد من معرفة هذه الأمور والتعامل معها بما يقطع شرها، أو يقلله.
وأضاف الدكتور السحيمي من المرتكزات لحماية الفكر من الانحراف مناقشة ومحاورة الشباب المتأثرين به، فإنه من خلال مشاركتي في برنامج المناصحة منذ أكثر من عشر سنوات ، ومن خلال الجلوس مع الكثير من الشباب الموقوفين وغيرهم وجدت كما وجد غيري أن أكثر الشباب الذين سلكوا مسالك الغلو والتكفير والتفجير إنما هم ضحايا التغرير والشحن العاطفي، مع صغر السن وقلة التجربة، وأن غالب القادة والرموز الذين غرروا بهم هم من خارج بلادنا، ويكيدون لها ولأهلها منذ زمن بعيد، حتى تهيأت لهم المصائد، وأنه من خلال المناقشات والمحاورات وفتح القلب وحسن المحاورة لهم تبين أن الكثيرين من شبابنا الذين غرر بهم ينقصهم العلم والتجربة، وتدفعهم الغيرة والحماس على دين الله بما يرون ويسمعون ويوجهون، في حين أنهم لم يحصنوا بالأصول والقواعد الشرعية التي تنير لهم الطريق، وتوضح لهم الحقائق الشرعية، وأن كثيرا منهم على استعداد للرجوع للحق والصواب متى ما قوبلوا بالحوار الهادئ، والمنهج العلمي المؤصل، والمناقشة التي يفهم منها المحاور أن المراد بها الخير له من أجل أن يعرف الحق، ويعمل به، بل إن الكثير منهم – والحمد لله – عاد لجادة الصواب، وندم على ما حصل منه، وما فاته من علم يستطيع به التمييز بين الأشياء المشتبهة. ويتبين بجلاء أن ما حصل هو نتيجة لعدم تطبيق المرتكزات التي تقوم عليها رعاية الفكر والمرتكزات التي تقوم عليها الحماية للفكر من الانحراف.
وأوضح الدكتور السحيمي ان من المرتكزات لحماية الفكر من الانحراف الرد على الشبه التي تثار في الانترنت وغيرها حول الجهاد ومن اهمها :
الشبهة الأولى:أن فرض الجهاد باق إلى يوم القيامة لقوله صلى الله عليه وسلم: (الجهاد ماض إلى أن تقوم الساعة). والمخاطب به المؤمنون، فإذا كان طائفة مجتمعة لها منعة وجب عليها أن تجاهد في سبيل الله بما تقدر عليه ولا يسقط عنها الفرض بحال؟
والجواب: أن الجهاد يتنوع بحسب الحال والقدرة التي يكون عليه أهل الإسلام والحال في الجهاد كالحال في الصوم والزكاة والحج لا بد من وجود الشروط والأسباب وانتفاء الموانع، فالجهاد يجب بالسنان في حال قوة المسلمين وفق الشروط والضوابط المتقدم ذكرها، ويجب الجهاد بالحجة والبيان في حال ضعفهم، فالجهاد ماض إذا توفرت شروطه ومقوماته أما إذا لم تتوفر شروطه ومقوماته فإنه ينتظر حتى يعود للمسلمين قوتهم وإمكانيتهم واستعدادهم، ويكون في هذه الحال جهادهم بالحجة والبيان.
الشبهة الثانية:كيف يدخل المسلمون مع عدوهم في صلح وعهد، وقد استولى على بلاد المسلمين، والحال أن جهاد الدفع واجب عليهم؟
والجواب:أن النصوص الشرعية تدل على جواز عقد الصلح والهدنة سواء كان ذلك في جهاد الطلب أم في جهاد الدفع، وذلك إذا رأي الإمام مصلحة في ذلك للمسلمين أو كان أهل الإسلام في ضعف فإن للإمام أن يصالح وأن يعقد الهدنة مع من يراه لصالح المسلمين .أما إذا كان الإسلام ظاهرا على الكفر ولم تظهر المصلحة في المصالحة فلا. وقد صالح النبي صلى الله عليه وسلم المشركين في صلح الحديبية لاقتضاء المصلحة ذلك.
الشبهة الثالثة:أنه لا يشترط إذن الإمام في الجهاد استدلالا بقصة أبي بصير فإنه لما انفلت من المشركين رجع إلى الساحل وتعرض لعير قريش إذا أقبلت من الشام يأخذ ويقتل فاستقل بحربهم دون رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا معه في صلح الحديبية؟
و الجواب: أن أبا بصير ليس في قبضة الإمام ومع ذلك لم ينصره رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك الصحابة وإنما في هذه القصة دليل لمن حاله مثل حال أبي بصير ومن معه أنه يجوز له فعل ذلك فلا يتخذ ذلك قاعدة في الجهاد فأبو بصير ليس في قبضة الإمام ولا تحت امرته بل هو في قبضة الكفار وفي ولايتهم فهو يريد أن يتخلص من قبضتهم وولايتهم فليس هو تحت ولاية الرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سلمه بموجب العهد والصلح الذي جري بينه وبين الكفار فليس هو في بلاد المسلمين ولا تحت قبضة الإمام، والأدلة الشرعية المتكاثرة تدل على أن إذن الإمام شرط في القتال.
الشبهة الرابعة: أن جهاد الدفع لا يشترط له إن الإمام لأن جهاد الدفع لا يشترط فيه ما يشترط في جهاد الطلب وإذن الإمام مشروط في جهاد الطلب.
الجواب: تقدم الجواب عن هذه الشبهة وأن الأدلة تدل على ذلك أي إذن الإمام إلا في الحال المستثناة- التي تقدم ذكرها والعبرة هي بما دل عليه الدليل وقد دل الدليل على ذلك.
الشبهة الخامسة:قول بعضهم: إن الذين يقاتلون الكفرة يريدون نصرة الإسلام وأن يعود الإسلام عزيزا بعد الذل الذي هو فيه وهم قد اجتهدوا فإن أصابوا فلهم أجران وإن أخطؤوا فلهم أجر واحد.
والجواب: من المعلوم أن القصد الحسن وحده لا يكفي للقول بجواز العمل شرعا فليست الغاية مبررة للوسيلة بل يجب أن تكون الوسيلة مشروعة لتحقيق الغاية المشروعة والجهاد فريضة فرضها الله على أهل الإسلام وله أسباب وشروط وضوابط، والغاية إعلاء كلمة الله، وهو وسيلة لتحقيق مصلحة يقررها الإسلام وليست محل اجتهاد لآحاد أو مجموعات داخل الجماعة الواحدة التي لها إمام وله بيعة وأمر الجهاد موكول له، وليس هذا مما يدخل في أمر من اجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر لاسيما أن الاجتهاد له شروطه وضوابطه التي بها يعرف من كان أهلا للاجتهاد ومن لم يكن كذلك.
الشبهة السادسة: إن اشتراط إذن الإمام إنما محله الإمام الأعظم الذي تنطوي تحته جميع البلاد الإسلامية، وهذا مفقود اليوم فبطل هذا الشرط.
والجواب: أن اشتراط إذن الإمام في الجهاد يراد به كل إمام تولى على بلد من البلاد ولو تعددت الولايات كما تقدم نقل الإجماع في ذلك عن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وعن الشوكاني والصنعاني. فإجماع أهل العلم منعقد على اشتراط ذلك.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :" والسنة أن يكون للمسلمين إمام واحد والباقون نوابه فإذا فرض أن الأمة خرجت عن ذلك لمعصية في بعضها وعجز من الباقين أو غير ذلك فكان لها عدة أئمة لكان يجب على كل إمام أن يقيم الحدود ويستوفي الحقوق, وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب :" الأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد أو بلدان له حكم الإمام في جميع الأشياء ولو لا هذا ما استقامت الدنيا لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا ما اجتمعوا على إمام واحد ولا يعرفون أحداً من العلماء ذكر أن شيئاً من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم".
وقال الشيخ ابن عثيمين :" ولا يشترط أن يكون إماماً عاماً للمسلمين لأن الإمامة العامة انقضت منذ أزمنة متطاولة والنبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اسمعوا وأطيعوا وإن تأمر عليكم عبد حبشي ). إلى أن قال : فإذا تأمر إنسان على جهة ما صار بمنزلة الإمام العام وصار قوله نافذاً وأمره مطاعاً ومن عهد أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه والأمة الإسلامية بدأتِ تفترق فابن الزبير في الحجاز وابن مروان في الشام والمختار بن عبيد وغيره في العراق، فتفرقت الأمة وما زال أئمة الإسلام يدينون بالولاء والطاعة لمن تأمر على ناحيته وإن لم تكن له الخلافة العامة وبهذا نعرف ضلال ناشئة نشأت تقول: إنه لا إمام للمسلمين اليوم فلا بيعة لأحد نسأل الله العافية ولا أدري أيريد هؤلاء أن تكون الأمور فوضى ليس للناس قائد يقودهم؟ أم يريدون أن يقال كل إنسان أمير نفسه؟ هؤلاء إذا ماتوا من غير بيعة يموتون ميتة جاهلية".
الشبهة السابعة: اجتماع البعض ممن يخرج للجهاد على أحدهم أو غيره من أهل البلاد التي يقدمون عليها ويبايعونه أميرا لهم في الجهاد وأنه يقوم مقام الإمام في هذا؟
والجواب: أنه لا بد من إذن الإمام المتولي في كل ناحية من بلاد المسلمين لأن هذا هو الإمام وبيعته هي المقصودة، وليس من يأتي إليه الخارجون للجهاد ويبايعونه على أنه أمير للجهاد فهذا ليس هو الأمير ولا بيعته ولا إذنه هو المقصود بمن يستأذن في الجهاد إذ أن الواجب تفسير نصوص الشرع بمراده لا بمراد غيره.
وقال فضيلة الاستاذ الدكتور عبد السلام بن سالم السحيمي أستاذ الفقه بالدراسات العليا بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية عضو لجنة المناصحة مستشار مدير الجامعة ورئيس الهيئة الاستشارية أن من اهم المرتكزات التي يقوم عليها حماية الفكر من الانحراف هي معرفة أسباب الانحراف: فإن معرفة ذلك سبب للحماية من الانحراف، فالجهل بالدين من أعظم الأسباب الحاملة على الانحراف في الفكر والتصور، ويتولد من ذلك عواقب وخيمة، فإن الشخص إذا جهل حقيقة التوحيد وقع فيما يضاده وهو الشرك، وإذا جهل حقيقة التكفير وقع فيما يضاده وهو تكفير المسلمين بغير حق، وكذلك إذا جهل حقيقة الولاء والبراء المحرم من غير المحرم وقع فيما يضاد ذلك، وإذا جهل حقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما يشترط لذلك وقع فيما يضاده، وإذا جهل حقيقة الذنوب وانقسامها والحكم على أهلها وقع في الظلم والجور، وإذا جهل ما يجب تجاه ولي الأمر المسلم، ومفارقة الجماعة وهكذا .فالغلو ومجاوزة الحد في التكفير والخروج عن الضوابط الشرعية مع خطورة ذلك على الأفراد والمجتمعات والحكام والعلماء ونظام الجماعة، وتطبيق جميع الأحكام المترتبة على الكفر على المسلمين هو نتيجة للجهل بالدين واتباع الهوى.
والغلو في الدين مرض فتاك سريع العدوى، ونتائجه المدمرة عاجلة، وآثاره تفسد الدين و الدنيا، وتهلك الحرث والنسل، ولما جُهِل حقيقة الجهاد الشرعي وضوابطه وحصل الغلو في ذلك صار قتال المسلمين من أسهل ما يكون باسم الجهاد، ولذا أوهم الشباب وصغار السن، بأن ذلك من الجهاد في سبيل الله، ولذا فإن نتيجة ذلك أنهم هدموا أصولا وثوابت شرعية، وحقوقا مرعية، من لزوم الجماعة والسلطان والبيعة والطاعة والأمن، واستحلوا الدماء المعصومة، وقاموا بالتخريب والتفجير باسم الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فوقعوا في جهل وظلم وجور في الأحكام، وهذه هي طريقة أهل البدع والأهواء، فإنهم كما قال العلماء: جمعوا بين الجهل والظلم في تكفير مخالفيهم، في حين أن أهل الحق أهل السنة والجماعة هم أهل العلم والعدل في مواقفهم مع مخالفيهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – في معرض رده على بعض أهل البدع -: "وهذه الطريقة التي سلكها هذا وأمثاله هي طريقة أهل البدع الذين يجمعون بين الجهل والظلم فيبتدعون بدعة مخالفة للكتاب و السنة وإجماع الصحابة ويكفرون من خالفهم في بدعتهم ... وأئمة السنة والجماعة وأهل العلم والإيمان، فيهم العلم والعدل والرحمة، فيعلمون الحق الذي يكونون موافقين للسنة سالمين من البدعة، ويعدلون على من خرج منها ولو ظلمهم".
ومن المرتكزات لحماية جناب الفكر: معرفة أن من أهم ما أوقع أهل الأهواء والجهل في الانحراف في مفهوم الجهاد وغيره هو المنهج الخاطئ في النظر والاستدلال؛فأهل الأهواء والبدع لهم أصول في النظر والاستدلال خالفوا بها ما دلت عليه النصوص الشرعية، وأهمها اعتمادهم في معظم أبواب الاعتقاد على أصول تناقض الحق، وهي أصول وضعها وابتدعها زعماؤهم وشيوخهم، ثم ما ظنوا أنه يوافقها من القرآن والسنة احتجوا به، وما خالفها تأولوه، ولذا ليس لهم عناية بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، ولا بتحرير دلالتهما واعتمادهم على الأحاديث الواهية والضعيفة والمكذوبة على رسول الله ، وردهم للأحاديث التي لا توافق أهواءهم()، أو تأويلها واتباعهم للمتشابه وترك المحكم والجهل بأقوال السلف الصالح وتحريفهم للأدلة عن مواضعها بأن يرد الدليل على مناط فيصرفونه عن ذلك المناط إلى أمر آخر موهمين أن المناطين واحد, وفتحهم لباب التأويل الفاسد للنصوص الشرعية بدون دليل، يقول ابن أبي العز الحنفي: "وهل خرجت الخوارج واعتزلت المعتزلة ورفضت الروافض وافترقت الأمة على ثلاث وسبعين فرقة إلا بالتأويل الفاسد", والغلو والإفراط في مسائل الاعتقاد كغلو الخوارج والمعتزلة في آيات الوعيد، وغير ذلك.
وهذه الأصول التي ساروا عليها في النظر والاستدلال هي التي أوقعتهم في الانحراف، ثم إنه كما يقال: "لكل قوم وارث"، نجد هذه الأصول نفسها تتكرر في مواقع الانترنت، وفي المؤلفات التي ينحوا أصحابها ناحية الغلو والتطرف في باب الجهاد وغيره، ولحماية الفكر من الانحراف لابد من معرفة هذه الأمور والتعامل معها بما يقطع شرها، أو يقلله.
وأضاف الدكتور السحيمي من المرتكزات لحماية الفكر من الانحراف مناقشة ومحاورة الشباب المتأثرين به، فإنه من خلال مشاركتي في برنامج المناصحة منذ أكثر من عشر سنوات ، ومن خلال الجلوس مع الكثير من الشباب الموقوفين وغيرهم وجدت كما وجد غيري أن أكثر الشباب الذين سلكوا مسالك الغلو والتكفير والتفجير إنما هم ضحايا التغرير والشحن العاطفي، مع صغر السن وقلة التجربة، وأن غالب القادة والرموز الذين غرروا بهم هم من خارج بلادنا، ويكيدون لها ولأهلها منذ زمن بعيد، حتى تهيأت لهم المصائد، وأنه من خلال المناقشات والمحاورات وفتح القلب وحسن المحاورة لهم تبين أن الكثيرين من شبابنا الذين غرر بهم ينقصهم العلم والتجربة، وتدفعهم الغيرة والحماس على دين الله بما يرون ويسمعون ويوجهون، في حين أنهم لم يحصنوا بالأصول والقواعد الشرعية التي تنير لهم الطريق، وتوضح لهم الحقائق الشرعية، وأن كثيرا منهم على استعداد للرجوع للحق والصواب متى ما قوبلوا بالحوار الهادئ، والمنهج العلمي المؤصل، والمناقشة التي يفهم منها المحاور أن المراد بها الخير له من أجل أن يعرف الحق، ويعمل به، بل إن الكثير منهم – والحمد لله – عاد لجادة الصواب، وندم على ما حصل منه، وما فاته من علم يستطيع به التمييز بين الأشياء المشتبهة. ويتبين بجلاء أن ما حصل هو نتيجة لعدم تطبيق المرتكزات التي تقوم عليها رعاية الفكر والمرتكزات التي تقوم عليها الحماية للفكر من الانحراف.
وأوضح الدكتور السحيمي ان من المرتكزات لحماية الفكر من الانحراف الرد على الشبه التي تثار في الانترنت وغيرها حول الجهاد ومن اهمها :
الشبهة الأولى:أن فرض الجهاد باق إلى يوم القيامة لقوله صلى الله عليه وسلم: (الجهاد ماض إلى أن تقوم الساعة). والمخاطب به المؤمنون، فإذا كان طائفة مجتمعة لها منعة وجب عليها أن تجاهد في سبيل الله بما تقدر عليه ولا يسقط عنها الفرض بحال؟
والجواب: أن الجهاد يتنوع بحسب الحال والقدرة التي يكون عليه أهل الإسلام والحال في الجهاد كالحال في الصوم والزكاة والحج لا بد من وجود الشروط والأسباب وانتفاء الموانع، فالجهاد يجب بالسنان في حال قوة المسلمين وفق الشروط والضوابط المتقدم ذكرها، ويجب الجهاد بالحجة والبيان في حال ضعفهم، فالجهاد ماض إذا توفرت شروطه ومقوماته أما إذا لم تتوفر شروطه ومقوماته فإنه ينتظر حتى يعود للمسلمين قوتهم وإمكانيتهم واستعدادهم، ويكون في هذه الحال جهادهم بالحجة والبيان.
الشبهة الثانية:كيف يدخل المسلمون مع عدوهم في صلح وعهد، وقد استولى على بلاد المسلمين، والحال أن جهاد الدفع واجب عليهم؟
والجواب:أن النصوص الشرعية تدل على جواز عقد الصلح والهدنة سواء كان ذلك في جهاد الطلب أم في جهاد الدفع، وذلك إذا رأي الإمام مصلحة في ذلك للمسلمين أو كان أهل الإسلام في ضعف فإن للإمام أن يصالح وأن يعقد الهدنة مع من يراه لصالح المسلمين .أما إذا كان الإسلام ظاهرا على الكفر ولم تظهر المصلحة في المصالحة فلا. وقد صالح النبي صلى الله عليه وسلم المشركين في صلح الحديبية لاقتضاء المصلحة ذلك.
الشبهة الثالثة:أنه لا يشترط إذن الإمام في الجهاد استدلالا بقصة أبي بصير فإنه لما انفلت من المشركين رجع إلى الساحل وتعرض لعير قريش إذا أقبلت من الشام يأخذ ويقتل فاستقل بحربهم دون رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا معه في صلح الحديبية؟
و الجواب: أن أبا بصير ليس في قبضة الإمام ومع ذلك لم ينصره رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك الصحابة وإنما في هذه القصة دليل لمن حاله مثل حال أبي بصير ومن معه أنه يجوز له فعل ذلك فلا يتخذ ذلك قاعدة في الجهاد فأبو بصير ليس في قبضة الإمام ولا تحت امرته بل هو في قبضة الكفار وفي ولايتهم فهو يريد أن يتخلص من قبضتهم وولايتهم فليس هو تحت ولاية الرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سلمه بموجب العهد والصلح الذي جري بينه وبين الكفار فليس هو في بلاد المسلمين ولا تحت قبضة الإمام، والأدلة الشرعية المتكاثرة تدل على أن إذن الإمام شرط في القتال.
الشبهة الرابعة: أن جهاد الدفع لا يشترط له إن الإمام لأن جهاد الدفع لا يشترط فيه ما يشترط في جهاد الطلب وإذن الإمام مشروط في جهاد الطلب.
الجواب: تقدم الجواب عن هذه الشبهة وأن الأدلة تدل على ذلك أي إذن الإمام إلا في الحال المستثناة- التي تقدم ذكرها والعبرة هي بما دل عليه الدليل وقد دل الدليل على ذلك.
الشبهة الخامسة:قول بعضهم: إن الذين يقاتلون الكفرة يريدون نصرة الإسلام وأن يعود الإسلام عزيزا بعد الذل الذي هو فيه وهم قد اجتهدوا فإن أصابوا فلهم أجران وإن أخطؤوا فلهم أجر واحد.
والجواب: من المعلوم أن القصد الحسن وحده لا يكفي للقول بجواز العمل شرعا فليست الغاية مبررة للوسيلة بل يجب أن تكون الوسيلة مشروعة لتحقيق الغاية المشروعة والجهاد فريضة فرضها الله على أهل الإسلام وله أسباب وشروط وضوابط، والغاية إعلاء كلمة الله، وهو وسيلة لتحقيق مصلحة يقررها الإسلام وليست محل اجتهاد لآحاد أو مجموعات داخل الجماعة الواحدة التي لها إمام وله بيعة وأمر الجهاد موكول له، وليس هذا مما يدخل في أمر من اجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر لاسيما أن الاجتهاد له شروطه وضوابطه التي بها يعرف من كان أهلا للاجتهاد ومن لم يكن كذلك.
الشبهة السادسة: إن اشتراط إذن الإمام إنما محله الإمام الأعظم الذي تنطوي تحته جميع البلاد الإسلامية، وهذا مفقود اليوم فبطل هذا الشرط.
والجواب: أن اشتراط إذن الإمام في الجهاد يراد به كل إمام تولى على بلد من البلاد ولو تعددت الولايات كما تقدم نقل الإجماع في ذلك عن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وعن الشوكاني والصنعاني. فإجماع أهل العلم منعقد على اشتراط ذلك.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :" والسنة أن يكون للمسلمين إمام واحد والباقون نوابه فإذا فرض أن الأمة خرجت عن ذلك لمعصية في بعضها وعجز من الباقين أو غير ذلك فكان لها عدة أئمة لكان يجب على كل إمام أن يقيم الحدود ويستوفي الحقوق, وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب :" الأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد أو بلدان له حكم الإمام في جميع الأشياء ولو لا هذا ما استقامت الدنيا لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا ما اجتمعوا على إمام واحد ولا يعرفون أحداً من العلماء ذكر أن شيئاً من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم".
وقال الشيخ ابن عثيمين :" ولا يشترط أن يكون إماماً عاماً للمسلمين لأن الإمامة العامة انقضت منذ أزمنة متطاولة والنبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اسمعوا وأطيعوا وإن تأمر عليكم عبد حبشي ). إلى أن قال : فإذا تأمر إنسان على جهة ما صار بمنزلة الإمام العام وصار قوله نافذاً وأمره مطاعاً ومن عهد أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه والأمة الإسلامية بدأتِ تفترق فابن الزبير في الحجاز وابن مروان في الشام والمختار بن عبيد وغيره في العراق، فتفرقت الأمة وما زال أئمة الإسلام يدينون بالولاء والطاعة لمن تأمر على ناحيته وإن لم تكن له الخلافة العامة وبهذا نعرف ضلال ناشئة نشأت تقول: إنه لا إمام للمسلمين اليوم فلا بيعة لأحد نسأل الله العافية ولا أدري أيريد هؤلاء أن تكون الأمور فوضى ليس للناس قائد يقودهم؟ أم يريدون أن يقال كل إنسان أمير نفسه؟ هؤلاء إذا ماتوا من غير بيعة يموتون ميتة جاهلية".
الشبهة السابعة: اجتماع البعض ممن يخرج للجهاد على أحدهم أو غيره من أهل البلاد التي يقدمون عليها ويبايعونه أميرا لهم في الجهاد وأنه يقوم مقام الإمام في هذا؟
والجواب: أنه لا بد من إذن الإمام المتولي في كل ناحية من بلاد المسلمين لأن هذا هو الإمام وبيعته هي المقصودة، وليس من يأتي إليه الخارجون للجهاد ويبايعونه على أنه أمير للجهاد فهذا ليس هو الأمير ولا بيعته ولا إذنه هو المقصود بمن يستأذن في الجهاد إذ أن الواجب تفسير نصوص الشرع بمراده لا بمراد غيره.