أسلوب التراكيب اللغوية المعقدة سبب جهلنا
صوت المدينة - عيسى وصل
( في الكون والطبيعة نستند إلى مبدأٍ مزدوج : لاشيء من لاشيء ولا شيء يضيع في الاشيء إنه مبدأ يحفظ للوجود هويته .
لا شيء يأتي من لاشيء فإذا كان بالإمكان أن يأتي شيء من لا شيء يمكن إذاك أن يأتي اي شيء من اي شيء لماذا ؟
لأنه ليس ثمة شيء ما يتناقض أشد من الاشيء ثم لا شيء يضيع في الاشيء والحق أنه إذا ما كانت ثمة اشياء تضيع في الاشيء في الوقت الذي لا يأتي فيه شيء من لا شيء فسينتهي الأمر بأن لا يظل ثمة لشيء بالمرة )
هذا النص السابق هو ترجمة لرأي أحد الفلاسفة
وانا في الحقيقة لست في مقام أن أناقش الفيلسوف أو المترجم في رأيه ولكن كان هذا النص خير مثال ابدأ فيه المقال
كان بستطاعة الفيلسوف أو المترجم ان يقول ( لا يوجد شيء من العدم ، ولا شيء يضيع في العدم )
لذلك انا هنا احاول أن اتحدث عن هذه الظاهرة وهي ظاهرة اللعب في الألفاظ والتراكيب اللغوية في إيصال المعلومة
فما أكثر اشباه هذا الفيلسوف اليوم .
فكثير ممن يتصدر الساحة الفكرية أو التعليمية يغيب عنهم إيصال المعلومة بشكل واضح ومختصر مع أن هذا الأسلوب هو أسلوب نبوي و قرآني .. فالنبي صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة من سيرته نجد أمثلة على سهولة إيصاله المعلومة للصحابة فمثلاً :
( قالَ ناس: يا رسولَ اللَّهِ ! أنَرى ربَّنا يومَ القيامَةِ ؟ قالَ: هل تُضارُّونَ في رؤيةِ الشَّمسِ في الظَّهيرةِ ليسَت في سحابةٍ ؟ قالوا: لا، قالَ: هل تُضارُّونَ في رؤيةِ القمرِ ليلةَ البدرِ ليسَ في سَحابةٍ ؟ قالوا: لا، قالَ: والَّذي نَفسي بيدِهِ لا تضارُّونَ في رؤيتِهِ إلَّا كما تضارُّونَ في رؤيةِ أحدِهِما )
ولو تحدث اليوم احدنا عن الحياة الدنيا و الآخرة لما وصفها كما وصفها القرآن الكريم قال تعالى ( يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ )
وقوله تعالى ( وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 64].
اما اليوم فالآية اختلفت بحيث أصبح أسلوب الإكثار من الكلمات في التخصص واللعب على السجع والتراكيب اللغوية هو الأسلوب الأمثل حيث يظن المتحدث بأنه يثبت لنا أهليته للحديث في هذا الشأن !
يقول الشيخ إبراهيم السكران في مقالة سلطة الغموض ( بعضهم يعجبه أن يتميز عن جمهور الناس بشيء ما فلذلك تبتهج نفسه بالخطاب المعقد حيث يحقق له فرادة شخصية )
ويغلب على ظني أن هذه المشكلة هي احد أسباب جهل كثير من العامة في بعض أمور الدنيا و الآخرة بحيث يتحدث أهل الهندسة بما يفهم المهندس وأهل الطب بما يفهم الطبيب وهكذا
وفي هذا يقول ابن تيمة رحمه الله ( فهذه الطرق الطويلة الغامضة التي تتضمن تقسيمات أو تلازمات أو إدراج جزئيات تحت كليات قد ينتفع بها من هذا الوجه في حق طائفة من الناظرين والمناظرين ، و إن كان من غير هؤلاء من أهل الفطر السليمة و الأذهان المستقيمة لا يحتاج إليها بل إذا ذكرت عنده مجّها سمعه ، ونفر عنها عقله ، ورأى المطلوب أقرب وأيسر من يحتاج إلى هذا )
لذلك لو ان أهل كل تخصص تحدثوا للعامة بما يقوّم أمورهم بأسلوب واضح بسيط لا يخل في المعلومة لكان ذلك سبب في رفع مستوى الوعي لدينا اليوم .
ولكن غلبة هذا الأسلوب ( اسلوب السجع واللعب على التراكيب اللغوية المعقدة ) افقدنا جزء كبير من المعلومات في أغلب المجالات حتى ان البرامج والمقاطع الهادفة اليوم لا يشاهدها أحد ولا يهتم لأمرها بسبب أن المتلقي لا يفهم ما يقال فيها عوضاً عن متابعتها .
لذلك تيسير المعلومة لا ينقص من قدر المتحدث ومكانته العلمية بل يعني إيصال المعلومة لعدد أكبر افضل من اقتصارها على أهل التخصص فينعكس ذلك على وعي المجتمع.
( في الكون والطبيعة نستند إلى مبدأٍ مزدوج : لاشيء من لاشيء ولا شيء يضيع في الاشيء إنه مبدأ يحفظ للوجود هويته .
لا شيء يأتي من لاشيء فإذا كان بالإمكان أن يأتي شيء من لا شيء يمكن إذاك أن يأتي اي شيء من اي شيء لماذا ؟
لأنه ليس ثمة شيء ما يتناقض أشد من الاشيء ثم لا شيء يضيع في الاشيء والحق أنه إذا ما كانت ثمة اشياء تضيع في الاشيء في الوقت الذي لا يأتي فيه شيء من لا شيء فسينتهي الأمر بأن لا يظل ثمة لشيء بالمرة )
هذا النص السابق هو ترجمة لرأي أحد الفلاسفة
وانا في الحقيقة لست في مقام أن أناقش الفيلسوف أو المترجم في رأيه ولكن كان هذا النص خير مثال ابدأ فيه المقال
كان بستطاعة الفيلسوف أو المترجم ان يقول ( لا يوجد شيء من العدم ، ولا شيء يضيع في العدم )
لذلك انا هنا احاول أن اتحدث عن هذه الظاهرة وهي ظاهرة اللعب في الألفاظ والتراكيب اللغوية في إيصال المعلومة
فما أكثر اشباه هذا الفيلسوف اليوم .
فكثير ممن يتصدر الساحة الفكرية أو التعليمية يغيب عنهم إيصال المعلومة بشكل واضح ومختصر مع أن هذا الأسلوب هو أسلوب نبوي و قرآني .. فالنبي صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة من سيرته نجد أمثلة على سهولة إيصاله المعلومة للصحابة فمثلاً :
( قالَ ناس: يا رسولَ اللَّهِ ! أنَرى ربَّنا يومَ القيامَةِ ؟ قالَ: هل تُضارُّونَ في رؤيةِ الشَّمسِ في الظَّهيرةِ ليسَت في سحابةٍ ؟ قالوا: لا، قالَ: هل تُضارُّونَ في رؤيةِ القمرِ ليلةَ البدرِ ليسَ في سَحابةٍ ؟ قالوا: لا، قالَ: والَّذي نَفسي بيدِهِ لا تضارُّونَ في رؤيتِهِ إلَّا كما تضارُّونَ في رؤيةِ أحدِهِما )
ولو تحدث اليوم احدنا عن الحياة الدنيا و الآخرة لما وصفها كما وصفها القرآن الكريم قال تعالى ( يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ )
وقوله تعالى ( وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 64].
اما اليوم فالآية اختلفت بحيث أصبح أسلوب الإكثار من الكلمات في التخصص واللعب على السجع والتراكيب اللغوية هو الأسلوب الأمثل حيث يظن المتحدث بأنه يثبت لنا أهليته للحديث في هذا الشأن !
يقول الشيخ إبراهيم السكران في مقالة سلطة الغموض ( بعضهم يعجبه أن يتميز عن جمهور الناس بشيء ما فلذلك تبتهج نفسه بالخطاب المعقد حيث يحقق له فرادة شخصية )
ويغلب على ظني أن هذه المشكلة هي احد أسباب جهل كثير من العامة في بعض أمور الدنيا و الآخرة بحيث يتحدث أهل الهندسة بما يفهم المهندس وأهل الطب بما يفهم الطبيب وهكذا
وفي هذا يقول ابن تيمة رحمه الله ( فهذه الطرق الطويلة الغامضة التي تتضمن تقسيمات أو تلازمات أو إدراج جزئيات تحت كليات قد ينتفع بها من هذا الوجه في حق طائفة من الناظرين والمناظرين ، و إن كان من غير هؤلاء من أهل الفطر السليمة و الأذهان المستقيمة لا يحتاج إليها بل إذا ذكرت عنده مجّها سمعه ، ونفر عنها عقله ، ورأى المطلوب أقرب وأيسر من يحتاج إلى هذا )
لذلك لو ان أهل كل تخصص تحدثوا للعامة بما يقوّم أمورهم بأسلوب واضح بسيط لا يخل في المعلومة لكان ذلك سبب في رفع مستوى الوعي لدينا اليوم .
ولكن غلبة هذا الأسلوب ( اسلوب السجع واللعب على التراكيب اللغوية المعقدة ) افقدنا جزء كبير من المعلومات في أغلب المجالات حتى ان البرامج والمقاطع الهادفة اليوم لا يشاهدها أحد ولا يهتم لأمرها بسبب أن المتلقي لا يفهم ما يقال فيها عوضاً عن متابعتها .
لذلك تيسير المعلومة لا ينقص من قدر المتحدث ومكانته العلمية بل يعني إيصال المعلومة لعدد أكبر افضل من اقتصارها على أهل التخصص فينعكس ذلك على وعي المجتمع.